أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2010
خواطر في سفر هوشع
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

قارئي العزيز، يا مَنْ تتابع معنا الدراسة في سفر هوشع، يا مَنْ تبتهج بكلام السيد، كمن وجد غنيمةً وافرة، يا من تجري من عينيكَ جداولُ مياهٍ، لأنهم لم يحفظوا شريعته، هلمَّ فنحفظها نحن، فهي لنا خيرُ دليلٍ ما دُمنا في القفرِ، وعلى نهجها يصحبنا السيد الجليل لمنتهى الدهر.

ولكنني، قبل الدخول في رِحاب دراستنا في هذه المرة، أود يا قارئي أن أُذكرَّك ببعض النقاط الرئيسية، ولو في عباراتٍ قليلة، مِنَ التي قد تعلَّمناها في دراستنا السابقة، ثم نُضيف الجديد بمعونة الرب بعد ذلك.

فتذكر معي:

  1. كان شعب إسرائيل يتكون من اثنى عشر سبطاً حتى عهد الملك سليمان، وفي أيام رحبعام ابنِهِ انقسمت المملكة إلى قسمين: قسمٌ يحتوي على سبطين فقط، وهما يهوذا وبنيامين، ولقد كونا معًا مملكة يهوذا وعاصمتها أُورشليم، وقسمٌ يضم بقية الأسباط، وعددها عشرة، ولقد كونت معًا مملكة إسرائيل وعاصمتها السامرة.
  2. كان ملوك يهوذا، البعض منهم أتقياء والبعض منهم أشرارًا، وأما ملوك إسرائيل، فكانوا جميعًا أردياء، فعلوا الشر في عيني الرب، وأغاظوه طويلاً، فجلب الرب على مملكة يهوذا السبي البابلي، ودام مدة سبعين سنة، وأما على مملكة إسرائيل، فجلب الرب عليهم السبي الآشوري، ولقد شتتهم إلى يومنا هذا.
  3. جاء السبي الأشوري على الأسباط العشرة سنة 722 ق.م. بينما بدأ السبي البابلي سنة 605 ق.م. ولقد تم على أربعة مراحل
  4. هوشع بن إيلة هو آخر ملوك مملكة إسرائيل، الذي في أيامِهِ جاء السبي الأشوري على المملكة الشمالية، وهوشع بن بئيري هو نبي الأسباط العشرة، ولقد تنبأ لهم عن السبي الأشوري، والقضاء الذي كان عتيدًا أن يقع عليهم، وتنبأ في أيام الملك يربعام الثاني ملك إسرائيل ، وملوك يهوذا من عُزِّيا إلى حزقيا (790-722) ق.م.
  5. أفرايم في سفر هوشع يمثل الأسباط العشرة، ولقد رأينا عبر السفر أربعة عشر تشبيهًا أو وصفًا تصور لنا مدى شره ووثنيته، ووقفنا أمام أربعة منها: امرأة زنى، بقرة جامحة، جفنة ممتدة، وأخيرًا؛ ابنٌ غير حكيم.
  6. جومر بنت دبلايم هي«امرأة زنى» أي أن أدبياتها المنحطة، كانت ستسمح لها بالزنى بعد زواجها من النبي، ومعنى اسم «جومر» هو «كمال» أو«تتميم» وفي هذا المعنى نرى «كمال المعصية» و «تتميم المعاصي»
  7. سفر هوشع مليء بالآيات عسرة الفهم، ولقد وقفنا أمام ثلاث منها وبعد أن نتذكرها سنشرح الرابعة بمعونة الرب:
  • هوشع 4: 7-9؛ وفيها رأينا شر الكهنة الذين كانوا يدفعون الشعب لمزيد من الشر والإباحية، والغرض من ذلك أن يُكثر الشعب من ذبيحة الخطية، فيزداد نصيب الكهنة في الأكل، وذلك على سبيل الربح القبيح.
  • هوشع 7: 3-5؛ وفيها لا نرى شر الكهنة، ولكن يبرز الرؤساء والملوك أيضًا، الذين يفرحون بالشعب الكذَّاب، والذين يُبطِّلون إيقاد التنور من وقتما يعجنون العجين إلى أن يختمر. وذلك ليعمل الخمير عمله وإلى النهاية. وفي ذلك صورة لترتيب المناخ لكي يترعرع فيه الشر والفساد.
  • هوشع 8: 10،9؛ وفي هذهِ الأعداد رأينا أفرايم وقد حاول الفرار من القضاء الذي كان قريب الوقوع، وقد راح يتودد للأمم، وخال إليه أنه بمداهناتِهِ أو بهداياه سيكسب قلب الأعداء، ويفِرُ من قضاء الرب. ولكن كانت النتيجة أنه «إنفكَّ»، أي هرب من القضاء، ولكنه «إنفكَّ قليلاً»، ثم عاد الرب فجمعهم للقضاء أي للسبي.

الآية الرابعة: «جاءت أيام العقاب. جاءت أيام الجزاء، سيعرف إسرائيل. النبي أحمق، إنسان الروح مجنون، من كثرة إثمِكَ وكثرة الحقد» (هو 9: 7)

كثيرًا ما نظن خطأ أن رحمة الله غير المحدودة يمكن أن تجعله يرتضي امتهان حقوق قداستهِ المطلقة، مع أن الرحمة لا تتعارض مع الحكم، والحكم لا يلغي مشاهد الرحمة: أ لم يكن هذا مطلب حبقوق النبي في وسط معمعة القضاء التي كانت عتيدة أن تنصب على مملكة يهوذا؟ فاِلتمس من الرب: «في الغضب اذكر الرحمة» (حب 3: 2)؟ أوَليس هذا ما تغنى به داود: «رحمةً وحكمًا أُغني. لك يا رب أُرنم» (مز 101: 1)؟ أو ليس هذا أيضًا ما سيتغنى به إسرائيل، عندما يرجع إلى الرب الذي «إلى الأبد رحمته»، لتقديم ذبيحة سلامتهم الألفية قائلين: «تأديبًا أدبَني الرب» وهذا هو الحكم، و«إلى الموتِ لم يُسلمني». وهذه هي الرحمة (مز 118: 18)؟

“جاءت أيام العقاب”، “جاءت أيام الجزاء” وهنا نسمع دقات أجراس ساعة القضاء بكل أهوالهِ. لقد حان موعد العقاب. وخلال نبوة هوشع، نقرأ عدة مرات عن توقيع القضاء، بل وعن سرعة توقيعه. بل وعن إصابة أهدافهِ أيضًا.

فنقرأ عن توقيعِهِ: «قد قسَّموا قلوبَهم. الآن يُعاقبون. هو يُحطم مذابحهم، يخرب أنصابهم» (هو 10: 2).

وأما عن سرعة توقيعه، وإصابة هدفهِ، نقرأ: «إلى فمِكَ بالبوق، كالنسرِ على بيت الرب، لأنهم قد تجاوزوا عهدي وتعدوا على شريعتي» (هو 8: 7). فالبوق هو وضوح وارتفاع الصوت والإعلان، والنسر كناية عن سرعة الانقضاض على الفريسة وإصابة الهدف. ولكن لماذا حان وقت العقاب وجاءت أيام الجزاء؟

«النبي أحمق، إنسان الروح مجنون. من كثرة إثمِكَ وكثرة الحقد». وهذه العبارة لها تفسيران أو يمكن أن تُفهم بطريقتين:

  1. يمكن أن يكون هذا هو تقرير هوشع بالوحي عن الأنبياء، أنهم تحولوا إلى أناس حمقى، ومُختلي العقل.
  2. يمكن أن يكون هذا هو اتهام باطل، من الشعب الخليع للأنبياء، ورجال الله الذين حاولوا ردهم إلى الرب فراحوا يتهمونهم بالجنون والحماقة.

في المعنى الأول: يكون النبي هوشع هو الذي يصدر تقريرَهُ عن أنبياء هذا الشعب، وكيف أنهم اتصفوا بالحماقة والجنون. أليس عن هؤلاء قال إرميا: «لم أُرسِل الأنبياء بل هم جروا، لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي، وردوهم عن طريقهم الرديء وعن شر أعمالهم» (إر 23: 21، 22)؟ ثم يستطرد قائلاً: «قد سمعت ما قاله الأنبياء الذين تنبأوا باسمي بالكذب قائلين: حلمت، حلمت. حتى متى يوجد في قلب الأنبياء المتنبئين بالكذب؟ بل هم أنبياء خداع قلبهم. الذين يفكرون أن ينسوا شعبي اسمي بأحلامهم التي يقصونها الرجل على صاحبه، كما نسى آباؤهم اسمي لأجل البعل» (إر 23: 25-27).

وأما في المعنى الثاني: تكون هذه العبارة، هي اتهام من الشعب الشرير، لرجال الله والأنبياء الذين حاولوا ردهم إلى الرب، وهذا هو المعنى الأرجح، بل ويتفق مع ما جاء في نفس السفر: «كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ويُبخرون للتماثيل المنحوتة» (هو 11: 2). والسؤال هنا: مَنْ يقدِّم الدعوة ولمن؟ الأنبياء يدعون الشعب، ويقدمون لهم نداءً للرجوع للرب، وما هو رد فعل هذا الشعب؟ يذهبون من أمامهم أي من أمام الأنبياء، يُفرطون في شرهم، فيذبحون للبعليم ثم يتهمون أولئك الأنبياء بالحماقةِ والجنون.

وأُذكرك يا قارئي العزيز بقصةٍ واحدة في تاريخ هذا الشعب تجمع لنا هذان المعنيان معًا، ففي سفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح الثامن عشر، نقرأ عن قصة مصاهرة يهوشافاط أخآب، ونزوله إليه، واتفاقه معه على المحاربة لأجل راموت جلعاد. وهنا نقرأ عن نبيين برزا في المشهد. واحدٌ يُسمى صدقيا بن كنعنة والآخر هو ميخا بن يملة. الأول يشرح لنا الفكرة الأولى وهو نبي شرير وأحمق بالفعل، خاتل أخآب وخادعه للذهاب للحرب، مؤكدًا له الانتصار ورجوعه بسلام، والثاني هو ميخا بن يملة، واجه أخآب بالحقيقة وأخبره أن كل ما طمأنه به أنبياؤه لم يكن إلاَّ كذبٍ ووهم. ولم تكن نتيجة نبوتهِ الصادقة إلاَّ أن تقدم صدقيا بن كنعنة وضربه على الفك، ثم أمر أخآب ملك إسرائيل، أن يوضَع ميخا بن يملة في بيت السجن، ويُعطى خبزُ وماءُ الضيق.

  • ففي صدقيا بن كنعنة نرى: تقرير هوشع نفسه: «النبي أحمق، إنسان الروح مجنون».
  • أما في ميخا بن يملة، الذي نطق بالصدق، نرى: لغة الشعب الشرير واتهامهم للأنبياء: «النبي أحمق، إنسان الروح مجنون».

وفي النهاية، أتوَّجه لكل قارئ بهذه الكلمات: هل تحتقر نداء السيد؟ وهل تحتقر من يحملون لك هذا النداء؟ فإذا كنت لم تتعرف بالرب يسوع المسيح بعد، هل “لكثرة إثمك ولكثرة الحقد” تحاول أن تدفع عنك كل عبارة تحمل لك النصح والإرشاد، مُقدمةً لك المسيح، لإراحتك حاليًا وإسعادك أبديًا؟

أنت غريقُ اليأس
أسرع ففادي النفسِ
  ترجــو النــجاة
يدعـو الخــطاة

ولكن إن كنت يا قارئي مؤمنًا حقيقيًا، ارتبطت بالسيد في وحدةٍ لا يمكن أن تنفَصِم عُراها، ثم تقَهقَرت خُطاك لسببٍ أو لأسباب، لا تحتقر أحاديث اللطف، كذلك لا تخُر من عبارات التوبيخ، بل تعال لنتضرَّع الآن:

حبي احفظنه ذاخر
وكن لنفسي حافظً
  إياه كالكنز الثمين
إني ضعيفٌ يا معين
بطرس نبيل