أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
من فوق الصليب، وفي خلال الساعات الرهيبة التي قضاها المسيح وهو معلق عليه، نطق - له المجد – بسبع عبارات غالية وثمينة جدًا. وهي عبارات لم يُسمع على مدى التاريخ أروع منها، كل واحدة منها تحتوي على محيط زاخر من المعاني. والكلمات الأخيرة في حياة كل إنسان يكون لها عادة مدلول كبير وقيمة فريدة. فهكذا كانت كلمات يعقوب الأخيرة (تك ٤٩)، وكلمات موسى الأخيرة (تث ٣٢؛ ٣٣)، وكلمات يشوع الأخيرة (يش ٢٤)، وكلمات داود الأخيرة (٢صم ٢٣). لكننا في هذا الكتاب ندرس كلمات المسيح الأخيرة، ليس تلك التي قالها في حياته، بل التي قالها من فوق الصليب. هذه الكلمات هي موضوع شيق للغاية، يجد فيه كل دارس للكلمة المكتوبة، وكل محب للكلمة المتجسد، مادة دسمة وشهية للتأمل. وهذه العبارات السبع هي بمثابة طاقات نتطلع من خلالها إلى ما كان يدور في ذهن مسيح الله خلال ساعات الصليب. ومع أنها مقتضبة فهي مُحمَّلة بالمعاني، زاخرة بالدلالات. قال واحد: “كما كان يجب ألا يُكسَّر عظم من عظام المصلوب، هكذا فإن كلمة واحدة من كلمات المصلوب لا ينبغي أن تضيع“. سبع عبارات، والرقم ”سبعة“ في كل الكتاب المقدس من أوله لآخره، هو رقم الكمال. ونحن إذ نتأمل في عبارات المسيح السبع من فوق الصليب فإننا نتأمل في الكمال بعينه. نعم إن هذه العبارات تتلألأ بأروع مما تتلألأ به المنائر السبع الذهبية، وتشع من الضياء أعظم مما تشع به الكواكب السبعة في سفر الرؤيا. ولَكَم اهتدى بهديها الملايين! ولَكَم شهدت لسمو قائلها، وسمو عمله في آن معًا! والكاتب، في هذا الكتاب، يصحبنا للتأمل في أعماق هذه العبارات الخالدة، ليستخرج لنا الكثير من الفوائد من خلالها. والكتاب في ١٦٢ صفحة. وسعره ١٠ جنيهات. ومتوافر في مكتبة الإخوة. نشجعك على اقتنائه وقراءته
 
 
عدد يناير السنة 2022
هل تعلم أيها المؤمن
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

أولاً: هل تعلم أيها المؤمن أنك لست من هذا العالم؟

قال المسيح للآب في صلاته الكهنوتية: «أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ، وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ، لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ» (يو١٧: ١٤-١٦).

سواءً أدركت هذا أم لا، فأنت غريب ونزيل على هذه الأرض. لذلك قال الرسول بطرس: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ، أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ» (١بط ٢: ١١). الشهوات الجسدية ليست فقط الشهوات الجنسية، بل هي كل ما تطمع إليه الطبيعة القديمة الساقطة؛ هي الأشياء التي يعنيها الرسول يوحنا في رسالته الأولى ١٥:٢-١٧ «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». هذه هي الحقيقة التي أدركها كثيرون من رجال الله في العهد القديم، فقيل عنهم: «فِي الإِيمَانِ مَاتَ هؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ» (عب ١١: ١٣). كما قال كاتب مزمور ١١٩ «غَرِيبٌ أَنَا فِي الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ» (مز ١١٩: ١٩). ومما يؤسَف له أننا كثيرًا ما ننسى هذه الحقيقة، ولذلك نجد كثيرين يقلدون غير المؤمنين في أهدافهم، ومظهرهم، وفي وسائل التسلية التي ينهمكون فيها. وبذلك يضعفون روحيًا، ويسعون وراء أفراح هذا العالم الوهمية، فيفقدون فرح الرب الذي هو قوتنا.

ثانيًا: هل تعلم أيها المؤمن لماذا نحن على هذه الأرض؟

هناك مؤمنون كثيرون لو سألتهم هذا السؤال لتحيّروا في الإجابة عنه. لذلك سأذكر أربعة أسباب لوجودنا نحن المؤمنين على هذه الأرض، ويمكنك أيها القارئ العزيز أن تفكر في أسباب أخرى:

(١) نحن هنا لنكون نورًا في هذا العالم. قال المسيح: «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ ... فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت ٥: ١٤-١٦). الأعمال الحسنة تعني السلوك الحسن، الصدق، المحبة، المسامحة، التضحية، عدم الطمع، الوداعة والتواضع. هذه هي الصفات التي تجعل الآخرين يمجدون أبانا السماوي. أما إذا كنا نشابه أهل العالم في تصرفاتنا فإننا لا نُتمِّم الهدف الذي من أجله نحن على هذه الأرض. لا بد أن يكون هناك تغيير واضح في حياتنا بعد الإيمان. كما قال الرسول بولس: «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ» (أف ٥: ٨).

(٢) لنكون غيورين في أعمال الصالحة «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أف ٢: ١٠). فمع أننا مُخلَّصون بالنعمة بالإيمان، إلاّ أنه «الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ» (غل ٥: ٦). ويقرر الروح القدس هذه الحقيقة أيضًا في تيطس ٢: ١١-١٤ «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ». فنرى هنا السلوك الحسن والأعمال الحسنة. ويحرضنا الروح القدس قائلاً: «كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (١كو ١٥: ٥٨). قيل عن فتاة اسمها طابيثا أنها «كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا» (أع ٩: ٣٦). ليت الرب يعيننا لكيلا نتكاسل في هذا الأمر، لأنه لهذا أيضًا نحن موجودون على هذه الأرض.

(٣) إننا على هذه الأرض لكي نساعد بعضنا بعضًا «لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ» (١تس ٥: ١١). ولنا نصائح نافعة بهذا الخصوص في ١كورنثوس ١٢. لا يليق بالمؤمن أبدًا أن يكون هدّامًا، بل يجب أن يكون بنّاءً. فلنحذر في كلماتنا وتصرفاتنا لئلا نكون سبباً في تعطيل نمو أو فرح المؤمنين الآخرين. بل ليكن كلامنا دائمًا «صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ» (أف ٤: ٢٩).

(٤) لا زلنا على هذه الأرض لكي نقود الخطاة إلى معرفة الرب «لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي (أي بالمسيح) غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ» (أع ٢٦: ١٨). يا له من امتياز عظيم أن يستخدمنا الرب في خلاص النفوس، عالمين أنه «يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ» (لو ١٥: ٧).

ثالثًا: هل تعلم أيها المؤمن أنك سريعًا ستصل إلى المجد الأبدي؟

إنه وطنك الحقيقي، لأن «سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (في ٣: ٢٠، ٢١). لقد وعدنا المسيح قائلاً: «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو ١٤: ٢، ٣). هللويا! يا له من رجاء أكيد! والسؤال لكل منا هو ما هو تأثير هذا علينا؟ هل نحن نفرح ونبتهج لأننا سائرون نحو وطننا السماوي؟ هل قلوبنا ملتهبة في داخلنا شوقًا لذلك الوقت السعيد؟ أم أمور هذا الزمان أصبحت هي الشاغلة لقلوبنا وأفكارنا؟ سوف ترى عيوننا «اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ» (إش ٣٣: ١٧)، وهو المكتوب عنه أنه «أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ». ونسمع صوته وهو الذي “انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْهِ” (مز ٤٥: ٢)، لأن «حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ» (نش ٥: ١٦). سنتخلص من الطبيعة القديمة الفاسدة، ونتسربل “بالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ” (عب ١٢: ١٤)، «وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ» (رؤ ٢١: ٤). ولا عجب لأنه هناك «مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ» (رؤ ٢١: ٣). كلما تأملنا في المجد المستقبل، نهتف من أعماق قلوبنا: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤ ٢٢: ٢٠)، قائلين مع المرنم:

فَلْتَمُتْ كُلُّ الْمَطَامِعْ

مِمَّا يُرْجَى أَوْ يُرَامْ

فَأَنَا بِالرَّبِّ قَانِعْ

وَالسَّمَا لِي فِي الْخِتَامْ


أنيس بهنام