أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد ديسمبر السنة 2007
ومن فم الرب لم يسألوا - ومن فم الرب لم يسألوا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
تحدثنا في العددين السابقين أن داود رجل الله، ولو أنه في بعض الأحيان لم يستشر الرب، إلا أنه كان بصفة عامة يستشير الرب. ولقد ذكرنا المناسبتين الأولى والثانية اللتين فيهما استشار الرب، ونشير في هذا العدد إلى المناسبة الثالثة (3) ثم قال داود : يا رب إله إسرائيل إنَّ عبدك قد سمع بأنَّ شاول يُحاول أن يأتي إلى قعيلة لكي يُخرب المدينة بسببي، فهل يُسلِّمني أهل قعيلة ليده؟ هل ينزل شاول كما سَمِع عبدك؟ يا رب إله إسرائيل أخبر عبدك. فقال الرب: ينزل. فقال داود هل يُسلِّمني أهل قعيلة مع رجالي ليد شاول؟ فقال الرب: يُسلِّمون" (1صم23: 10-12) **** ها قد ذهب داود ورجاله إلى قعيلة (كما أمره الرب)، «وحارب الفلسطينيين، وساق مواشيهم، وضربهم ضربة عظيمة، وخلَّص داود سكَّان قعيلة» (1صم23: 5). وما مِن شك أنّ أهل قعيلة قابلوه بترحيبٍ كبير، وكرَّموه وتغنّوا باسمه، ألم ينقذهم من الفلسطينيين؟ ألم يحفظ بيادرهم من النهب؟! وليس بعيدًا أن يكون داود سمع شيئًا من الأغاني التي سمع نظيرها يوم انتصر على جليات. وربما ظن إلى لحظة أن الأمور تسير كما يود. ولِمَ لا يكون انتصاره الكبير على الفلسطينيين، والترحيب الذي حظي به، بداية الطريق لتبوّئه العرش. اليوم مدينة قعيلة تُرحِّب به، وغدًا تزداد المدن التي تُؤيده، وهكذا يتم القصد وتكون له المملكة. إلاّ أنه سمِع أنَّ شاول يجمع الشعب لمحاصرته في قعيلة، فماذا يفعل؟ هل يظل كما هو في قعيلة متوقِّعًا أن ينال مساعدة مِمَّن أنقذهم وخلَّصهم، آملاً أن يكون ذلك هو بداية مُلكه؟ أم ينسحب ويخرج هاربًا هائمًا على وجهه حيثما يجد له مأوى يلجأ إليه، ويبدو أمام الجميع كالشخص الخائف الجبان، والذي لا قِبَل له بمواجهة شاول؟ لم يفعل داود لا هذا ولا ذاك. إنَّه لم يستعجل المُلك، تاركًا توقيت ذلك للرب. فالرب الذي مسحه ملكًا هو الذي يُحدِّد ويُعيِّن يوم جلوسه على العرش. كما أنَّه لم يبادر بالهرب، بل كعادته، ذهب يسأل الرب عن حقيقة الأخبار التي سمعها، وهل سيأتي حقًّا شاول إلى قعيلة، وهل أهل قعيلة سيسلِّمونه، ومن ثمّ يُقرِّر ماذا يفعل. وما أجمل هذه الخصلة في داود. إنَّه يعرف الطريق إلى الرب، ويعرف أن يطرح تساؤلاته أمامه، ويعرف أن يُصغي إلى صوته المرشد «أعلّمك أرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك» (مز32: 8). وبهذا يتحدَّد الطريق الذي عليه أن يسلكه. لقد عرف داود من الرب أن شاول مزمع أن يأتي إليه، وأن أهل قعيلة سوف يُسلِّمونه. فترك المدينة هو والرجال الذين معه. إنه لم يغضب من أهل قعيلة، الذين لم يُظهروا ولاءً له رغم أنَّه خاطر بحياته من أجلهم، ولم يعتبر خروجه هروب الجبناء، فهو حقًا لم يكن يبغي أن ينازل شاول، بل عندما سنحت له أكثر من فرصة أن يقتله لم يفعل، بل وبَّخ رجاله الذين أرادوا مرَّة أن يقتلوه (1صم24: 3-7؛ 26: 7-9). لقد انطبق عليه قول الحكيم: «الذكي يبصر الشر فيتوارى» (أم22: 3).
عاطف إبراهيم