أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أكتوبر السنة 2005
علامة إستفهام - علامة استفهام
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

.(2)

 «فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت ؟» (تك9:3)

 هذا أول حديث بين الرب الإله والإنسان بعد السقوط، وكان الرب هو البادئ به، فقد ظن الإنسان أن العلاقة بينه وبين الله، قد انقطعت وإلى الأبد بسبب الخطية، ففضّل البعد عنه، والاختباء منه، عن اللجوء إليه، والاحتماء به، بل تمنى لو أن الرب لا يأتي إليه كعادته، ليتمتع برفقته، والحديث معه، وذلك بعد أن فشل في إصلاح نفسه وستر عريه، بعمل مآزر من ورق تين لا تستر، وأصبح في أسوأ حالاته وفشله، إذ فقد مكانه في محضر الله، ومركزه وسط الخليقة، وسلطانه عليها، وأصبح لسان حاله «يقولون لله ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسرّ» (أي14:21)، لكن الرب في كامل نعمته، جاء إليه ماشيًا متمهلاً، وليس مسرعًا متعجلاً ـ وذلك لأنه سيوقع قضاءً وهذا فِعْلَه وعمله الغريب (إش21:28)، وهو لا يُسر بموت الشرير (حز11:33) - ودنا إليه منادياً عليه أين أنت؟ رغم علمه بمكانه؛ وكان ممكنًا أن ُيخرجه من مخبأه، ويكشف حالته وعريه وعاره، لكنه في محبته الغامرة أراد أن يستره، فلو أراد القضاء عليه، لما أتى إليه ليتكلم معه بل كان سيفعل ذلك من عليائه «من السماء أسمعت حُكمًا، الأرض فزعت وسكتت» (مز8:76)؛ أ لم يُرسِل وهو في عرشه مياه الطوفان على العالم القديم فهلك (تك17:6)؟ وألم يُنزل من سمائه ناراً وكبريتاً على سدوم وعمورة، فأحرقهما بسبب شرهما (تك24:19)؟ ألم يفتح الأرض بقدرته لتبتلع قورح وجماعته (عد31:16)؟ ألم يُرسِل بسلطانه ملاكاً فضرب من جيش آشور185 ألف رجل(2مل25:19)؟ بل إنه سيستحضرالخطاة أمامه حين يدين الأموات أمام العرش العظيم الأبيض، عرش القضاء والدينونة (رؤ11:20). ونجد في هذا النداء:

1. نداء المحبة: إذ ناداه باسمه ليظهر أن له دلالة خاصة عنده، رغم سقوطه وعدم طاعته، وبعده عنه .

2. نداء الأشواق: إذ أتى إليه بنفسه، يبحث عنه، ودنا منه، وعندما لم يجده بادر بالكلام معه.

 3. نداء النجاة: إذ أظهر له أن البعد عنه هو عين الهلاك، ولا نجاة من الدينونة إلا عنده، وفي حماه.

 4. نداء العلاج: إذ ضُرِبَ آدم بمرض الخطية، ولا علاج منها إلا في يد الله، فأتاه كالطبيب والدواء.

5. نداء الكساء: إذ تعرّى آدم، وفشل في أن يستر عريه، لكن الله أعدَّ له ثياب الخلاص ورداء البر.

 6. نداء السلام: إذ أدخلت الخطية الخوف من الله في قلبه، فناداه ليبدد خوفه وليعلم أنه لا سلام إلا معه.

 7. نداء الرجاء: :إذ أراد الله، أن يعلم أنه يوجد له رجاء، ليس لخلاصه فقط بل أن له مكان في محضره.

 وأراد الرب أن يخرج آدم إليه بنفسه لسبب:

  •  ليشعر بالحالة التي وصل إليها، نتيجة الخطية، من عري وبعد عن الله .. وقد كان.
  •   ليقر بما فعله ويتوب، فيرجع إلى مكانه في علاقته مع الله.
  •  ليدرك عجزه عن خلاص نفسه، وعدم نفع أعماله.
  •   ليعرف أن الرب وحده هو الذي يخلص.

هنا سُمع صوت آدم من بين الأشجار، مجيبًا نداءه «سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت» (تك 10:3)، فنراه قد تناول حالته المخزية، الناتجة عن الخطية، إذ أقر أنه عريان ولا يقدر أن يواجه الله الكلي القداسة، وهو في هذه الحالة؟ وقد أخطأ في حقه وعصاه، فبدل أن يلجأ إليه تائبًا، اختبأ منه، وظن أن في البعد عنه الراحة ؛ لكن كان هناك: الضمير المُلام، والشعور بالذنب، والخوف من العقاب.

 وإذ أثقلت الخطية كاهله، ولم يشعر بالطمأنينة ولا بالسلام، أراد الله أن يريح قلبه وضميره، وقد أعد له البديل وذلك في الذبيحة التي ذبحت بدلاً منه، والكساء الساتر وذلك من جلدها ـ وهذا إشارة إلى موت المسيح النيابي عنا على الصليب، وكفارته لخطايانا ـ وبذلك أزال خوفه, وشعر بالطمأنينة والسلام، فكما قال الرسول بولس «وإن كنا لابسين لا نوجد عراة» (2كو3:5).

 وها صوت الرب ينادي، لكل نفس بعيدة أين أنت؟ لكن ألا تسمع، يا مَنْ تحاول أن تستر عريك بأوراق تين، صنعتها مآزر لنفسك, سواء آداب مسيحية، أو أعمال صالحة، أو أخلاق عالية، أو طقوس وفرائض تمارسها؟ اسمع ماذا يقول إشعياء النبي عن هذا كله: «كثوب عدة (نجس) كل أعمال برنا» (إش6:64)؛ ورغم ذلك ألا تشعر بعريك وعارك؟ فإن «عار الشعوب الخطية» (أم34:14)، وتظن أنك مستور وراء مجرد أشجار، لكي تسكت ضميرك داخلك، وتبعد الله من أمام عينيك، ولست تعلم «أن كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا» (عب13:4)، وها ينادي بل أتاك وأنت لا تبالي، ويقول «لماذا جئت وليس إنسان؟ ناديت وليس مجيب؟ هل قصرت يدي عن الفداء؟ وهل ليست فيّ قدرة للإنقاذ؟» (إش2:50)، أين أنت في خطاياك؟ أين أنت في قساوتك؟ هل أدركت طريق الخلاص؟ اسمع صوت الرب يناديك، واخرج من وراء ما تتستر به، ولبِّ نداء الرب الذي يحبك، قبل أن يمضي زمن النعمة، وبدلاً من أن تسمع صوت النداء، تسمع صوت القضاء ... ولا رجاء.

 اسمع الفادي ينادي التفت نحوي فتحيا .0. .0. كل مقطوع الرجا وتنـال الفرجـا

نشأت راغب