أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2006
يوم الخمسين - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(أعمال2)

في سفر أعمال الرسل، نصل إلى يومٍ جديدٍ تمامًا في طرق الله مع الأرض. إنه يوم الروح القدس. كان هناك يوم الخليقة، وكان هناك أيضًا يوم الناموس. وكان هناك يوم الامتحان، الذي بلغ ذروته بحضور ابن الله على الأرض ـ إنسانٌ في نعمة متضعة، تسجل الأناجيل حياته الفريدة. لكن الأرض لم تُرد ذلك الإنسان. لقد رفضته وحكمت عليه بالموت، وأعطته مكانًا مع المجرمين. لقد قتلته. وقد رأت الأرض أن مهدًا مستعارًا وصليبًا مستعارًا وقبرًا مستعارًا كانت كافية له، وكان كل ما أراده الإنسان هو أن يتخلص منه. لكن الله أقامه من بين الأموات وأدخله إلى المجد، لقد صعد إلى السماء، مُقامًا من الأموات بمجد الآب. وقد كان هناك طريقان متاحان أمام الله- الأول: أن يستل سيف انتقامه من غمده، ويعاقب بالدينونة العالم الشرير والرافض للمسيح- أو على أساس أن ابن الإنسان قد مجده بالموت، أن يفتح مجاري قلبه المحب إلى أقصى حد، ويعطي أعظم هبة يمكن أن يعطيها بعد أن سبق وأعطى ابنه الوحيد. وقد اختار الله، تبارك اسمه، الخيار الأخير؛ وأعطى الروح القدس. يوم الروح القدس تلك حقيقة مؤكدة لا يمكن إنكار أهميتها. فمن المستحيل إنكار أهمية ما أسميه، بحق: يوم الروح القدس. هناك يوم آخر قادم، حينما سيظهر الرب يسوع بقوة ومجد، حينما سيكون الكل خاضعًا له، ذلك اليوم يسمى «يوم المسيح». لكن أثناء فترة غيابه، والتي يُشير إليها الكتاب المقدس بـ «الليل»، جاء الروح القدس؛ لكي يأتي بالنور إلى الظلام الذي سببه العالم لنفسه. لنتذكر أن الرب يسوع كان «نور العالم». إنه يقول، في يوحنا 8: 12: «أنا هو نور العالم». ومرة أخرى في يوحنا 9: 5 وهو يعلم بأن رفضه قد أصبح مقررًا، يضيف: «ما دمت في العالم فأنا نور العالم». لكن العالم طرد وأخمد، بقدر ما استطاع ذلك النور. وهكذا إذ رُفض مِن الأرض، دُعيَّ مرة ثانية من السماء «رُفع في المجد» (1تي3: 16). من الذي حل محله؟ الروح القدس- الذي لا يستطيع العالم أن يراه؛ لأنه لا يعرفه ولا يؤمن بحضوره. لكن المسيحي يعرفه؛ لأنه أتى ليس فقط ليسكن معه، لكن أيضًا ليكون فيه. إنه نورٌ؛ لأنه هو الله، والله نور، وهو يأتي بالنور الإلهي إلى قلوب القديسين. وفي أعمال 2 نصل إلى اللحظة التي فيها أُفتتح هذا اليوم: يوم الروح القدس- باحتفال لائق. وإذا أخذت على عاتقك أن تفتش في صفحات سفر أعمال الرسل، سيلفت نظرك المرات الكثيرة التي يتحدث فيها الوحى عن روح الله كشخص إلهي هنا على الأرض. وعن يقين فإن الحديث عن الروح القدس في هذا السفر، يتجاوز الخمسين مرة. والأصحاح الأول يُستهل به، بعد أن ذكَّر لوقا ثاوفيلس بأن إنجيله كان تسجيلاً «عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلِّم به، إلى اليوم الذي ارتفع فيه، بعد ما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم». هذا الكتاب الهام يُستَهَل بالحديث عن يسوع، بعد قيامته من الأموات موصيًا تلاميذه المحبوبين بالروح القدس. إن كل شيء في المسيحية يأخذ شكله ومثاله من المسيح. وقد سبق ورأينا في الأناجيل، أن يسوع قَبِل الروح القدس شخصيًا عند معموديته، كتعبير عن مسرة الآب غير المحدودة فيه، وكإكرام له كإنسان. وفي سفر الأعمال سنرى أنه قبل الروح القدس من جديد؛ لكي يعطيه لأولئك الذين هم خاصته؛ حتى بسكناه فيهم يُحضرهم إلى التمتع بالمقام والمكان اللذين يخصانه هو، له المجد، ولكنه يشرك مفدييه فيهما على أساس الفداء. الروح القدس هو القوة للشهادة وبناءً عليه نجد في الأصحاح الثاني من سفر الأعمال، شهادة عن مجيء المعزي «موعد الآب» ـ الروح القدس كشخص إلهي، آتيًا إلى العالم. وما يسبق نزوله مهم جدًا. في الأصحاح الأول نرى الرب يوصي تلاميذه «أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب، الذي سمعتموه مني، لأن يوحنا عمَّد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير» (ع4، 5). لقد ميز يوحنا المعمدان يسوع بهذه العلامة «الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه، فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس» (يو1: 33). أما الآن فإن الرب نفسه، بالتوافق مع ما أشار إليه يوحنا المعمدان، يقول: «ستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير»، فضلاً عن ذلك يقول، له المجد، في العدد الثامن: «ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض». هناك ثلاثة أشياء تميز سفر الأعمال: الغفران، والقوة، والصلاة. الغفران بواسطة دم المخلص، والقوة بالروح القدس الساكن في المؤمنين، والصلاة كالتصرف الطبيعي للقديس. ولأن سفر الأعمال كُتِبَ بواسطة لوقا، لذا فهو يُظهر تلك السمة المميزة للمسيح، التي يرسمها بصورة أخّاذة في إنجيله. هناك نرى الرب كالإنسان المتكل اتكالاً تامًا- مصليًا سبع مرات - عدد الكمال (انظر لوقا3: 21؛ 5: 16؛ 6: 12؛ 9: 18، 29؛ 11: 1؛ 22: 44). وبالمثل نرى الحياة الإلهية في التلاميذ، كما في يسوع، نشّطِة بالروح القدس، وهي في حالتها الأولى من النضارة غير معتمة بواسطة العالم، ظاهرة على الدوام في اتكالهم عن طريق الصلاة (انظر أعمال1: 14، 24؛ 2: 42؛ 3: 1؛ 4: 31؛ 6: 4؛ 7: 60؛ 8: 15؛ 9: 11، 40؛ 10: 2، 9، 30، 31؛ 11: 5؛ 12: 5، 12؛ 13: 3؛ 14: 23؛ 16: 13، 25؛ 20: 36؛ 22: 17؛ 28: 8). ويا له من درس ثمين لنفوسنا جميعًا! «ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض، وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء» (أع1: 9ـ11). إنه سيأتي في قوة ومجد إلى هذه الأرض. إن طابع مجيء الرب الثاني المعطى هنا، هو الخاص بالظهور وليس بالاختطاف. إنه سيأتي بقوة على جبل الزيتون، بحسب نبوات العهد القديم، وسيكون شعبه السماوي معه في يوم مجده هذا. المواظبة على الصلاة بنفس واحدة «حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون، الذي هو بالقرب من أورشليم على سفر سبت. ولما دخلوا صعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها: بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته». هنا نرى تغييرًا عما ورد في الأصحاح السابع من إنجيل يوحنا، حيث نقرأ «لأن إخوته أيضًا لم يكونوا يؤمنون به» (ع5)، لكن شكرًا لله؛ لأن إخوته، كما يظهر قد آمنوا به نحو هذا الوقت، ووُجدوا في دائرة البركة في أعمال 2. وماذا يفعلون هنا؟ إنه أمر مبارك جدًا أن نرى أنهم «كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة». من الواضح أننا نرى هنا حالة أدبية سامية للنفس، تسبق الإظهار العجيب والرائع لنعمة الله في عطية الروح القدس، التي يسجلها لنا الأصحاح التالي. وأستطيع أن أقول بيقين أن هذه الحالة الأدبية ذات أهمية عظيمة لكل أولاد الله. ورغم أنه لا يمكن أن يوجد الآن معمودية جديدة للروح القدس، إنه يوجد شيء اسمه «الامتلاء بالروح القدس». وكلمة الله تحرضنا أن نمتلئ بالروح القدس. والتلاميذ في سفر الأعمال، كثيرًا ما نراهم ممتلئين بالروح القدس، متممين ما يحث الرسول بولس المؤنين عليه، في رسالة أفسس «ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح » (أف 5: 18). وإني متأكد أن هناك تناسبًا بين وجود روح الاتكال الحقيقي، وكثرة الصلاة وانتظار الله، وبين حالة الامتلاء بالروح القدس.

و. ت. ب. ولستون