أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2012
الروح القدس فى الرسالة الثانية إلى كنيسة كورنثوس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الروح القدس في الرسالة الثانية إلى كنيسة كورنثوس

نتقدَّم إلى رسالة كورنثوس الأولى حيث نجد حديثًا مُسهبًا عن الروح القدس.  فإذا نظرنا إلى الأصحاح الثاني، نجد الحديث عن حكمة العالم التي تُعظّم الإنسان كثيرًا، كما تُعطي تقديرًا كبيرًا لذهن الإنسان وتفكيره.  لكن الرسول يُوضّح أن كل شيء يتعلَّق بمعرفة الله، وحتى قبول أمور الله، يجب أن يكون بالروح القدس.
لقد وُضعت حكمة الإنسان جانبًا بواسطة الصليب، وحلَّ محلَّها ما يُوصِّله الروح القدس.  وهذا يُشار إليه في الأصحاح الثاني «بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ، لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ.  بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».  وهنا يقول كثيرون: إن هناك أشياء قد أُعطيت من الله، لكننا لا نستطيع أن نعرفها.  لكن – أيها الأصدقاء الأعزاء – لنستمر في القراءة «فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ.  لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ» (1كو2: 7-10).  إنه الروح القدس الذي يُعلن كل شيء.
إن حالة النفس في العهد القديم موصوفة في كلمات النبي «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».  أما الآن فقد تغيَّر كل شيء.  فقد جاء الروح القدس.  وماذا يفعل الروح القدس؟ «الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ.  لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ.  وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ» (1كو2: 9-13).  
لقد أُعلنت الأشياء الموهوبة لنا من الله بالروح القدس، وأُبلغت بالروح القدس.  والآن لننظر إلى العدد الرابع عشر: «وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا».  إنها أُعلنت بالروح، وأُبلغت بالروح (هنا نجد الوحي)، كما أنها قُبِلَت أيضًا بالروح.  يا لها من ضربة قاضية لعمل عقل الإنسان وفكره!  ذلك هو الحق العظيم الموجود في هذا الجزء من الرسالة.
وفي الأصحاح الثالث يُبيّن الرسول بولس أن الكنيسة هي هيكل الله.  ففي العدد السادس عشر يقول: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ».  إنه يُنبه هؤلاء الكورنثيين إلى الحق المُتعلق بأنهم مسكن الله، وكهيكل الله مقدس، حيث الروح القدس ساكن فيهم، ولذلك ينبغي أن يُحْفَظ الهيكل موافقًا لمالكه.
وإذ نأتي إلى الأصحاح السادس، نتعلَّم هناك أن الجسد يخصّ الرب، وأن الجسد ينبغي أن يُستخدَّم للرب.  وإنه أمر عظيم الأهمية أن نتذكر أن أجسادنا ملك للرب.  ولماذا؟  لننظر إلى ما يقوله: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَ فَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!» (1كو6: 15).  ثم يتقدَّم فيقول: «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ.  فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ» (1كو6: 19).  إن الجسد هو للرب، وعليَّ أن أكون حريصًا جدًا أن أعمل ما يُسره.  وإن حقيقة سكنى الروح القدس في جسد المؤمن يجب أن تُوضع دائمًا نصب عين المؤمن.
ثم إذ نتقدَّم إلى الأصحاحين الثاني عشر والرابع عشر، اللذين تأملنا فيهما بعناية في الفصول السابقة، أُشير فقط أنه في الأصحاح الثاني عشر نجد أن كل شيء له طبيعة روحية ينبع من الروح القدس، وأنه يُعطي المواهب الروحية لمن يشاء.  إن المنفعة هي الفكرة الأساسية في كنيسة الله، والكل يعتمد على الروح القدس.  ثم نجد أن هذه المواهب يجب أن تُربى وتُهذَّب في جو الأصحاح الثالث عشر؛ جو المحبة، إذا أُريد أن يكون لها أيّة فائدة أو استخدام في دائرة عملها.  وهذا ما نجده في الأصحاح الرابع عشر، حيث الكنيسة تؤدي وظيفتها تحت قيادة وعمل روح الله.  فنحن لا نحتاج إلى تدخُّل الإنسان، ولا إلى ترتيباته أو إلى تدبيراته في كنيسة الله، لأن الروح القدس كفء تمامًا لكل ما يتعلَّق باحتياجات كنيسة الله.

الروح القدس في الرسالة الثانية إلى كنيسة كورنثوس

ثم ننتقل إلى الرسالة الثانية إلى كورنثوس، حيث نجد في الأصحاح الأول ما هو مُبارك جدًا.  كان الرسول يجتاز في اضطهاد مريع، وضيقة مرعبة.  وهو يكشف الطريقة التي بها أعانه الله بواسطة الروح القدس.  ومِن الواضح أن الكورنثيين اعتقدوا أنه لا يجب أن يُوثق بالرسول بولس، لأنه فكّر في الإتيان إليهم، ولم يأتِ.  لذلك يقول في العدد السابع عشر من الأصحاح الأول: «فَإِذْ أَنَا عَازِمٌ عَلَى هَذَا، أَلَعَلِّي اسْتَعْمَلْتُ الْخِفَّةَ، أَمْ أَعْزِمُ عَلَى مَا أَعْزِمُ بِحَسَبِ الْجَسَدِ، كَيْ يَكُونَ عِنْدِي نَعَمْ نَعَمْ وَلاَ لاَ؟ لَكِنْ أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ.  لأَنَّ ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ.  لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ النَّعَمْ وَفِيهِ الآمِينُ، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا».  إنه في الحقيقة يريد أن يقول أنه إذا أراد هو أن يتغيَّر، فإن الله لا يفعل ذلك.  ثم يتبع ذلك كشف ثمين لأعمال الروح القدس الرؤوفة «وَلَكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا» (2كو1: 21، 22).
إنني لا أعرف تعبيرًا كاملاً أو أكثر جمالاً عن العمل المتنوع للروح القدس، أكثر مما يتضمنه هذان العددان الأخيران.  فهنالك نجد المؤمن يثبت في المسيح، ممسوحًا، ومختومًا، ونائلاً عربون الروح في قلبه.
إن الروح القدس فقط هو الذي يقدر أن يُحضرك إلى الشعور بالمركز الذي لك في المسيح.  فليس فقط أن الروح القدس يُعطي الإدراك بكونك تطهَّرت مِن خطاياك، لكن أيضًا يقود النفس إلى إدراك ما تمتلكه في المسيح، في المكان الجديد الذي للمسيح الآن كإنسان أمام الله، والذي في صلاحه ومحبته التي تفوق الوصف يُدخلنا إليه.  لكن أكثر من ذلك «قَدْ مَسَحَنَا».  إن الروح القدس لا يُعطينا فقط القوة لنرى الطريق الإلهي الذي ينبغي أن نسير فيه، لكن أيضًا القوة للتمتع بالأمور الإلهية.  فضلاً عن ذلك «خَتَمَنَا أَيْضًا».  وما الذي يعنيه “الختم”؟ إنه العلامة الدائمة والثابتة على المؤمن، أنه ملك الرب.  والروح القدس هو تلك العلامة.  إنه الختم على المؤمن كما هو موضَّح في رسالة أفسس «الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، الَّذِي هُوَ عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ» (أف1: 13، 14).
إن عربون الروح هو ذلك النشاط للروح القدس الذي يُحضّر نفس المؤمن إلى التمتع الحاضر بما يخصه؛ بالميراث، أي المجد العتيد الذي هو وارث له، وارث مع المسيح.  إن عربون الروح يُدخل النفس إلى التمتع بما سيكون للمؤمن في المستقبل، لكنه يعرف تمامًا أنه ملكه الآن.
إن الشخص الذي وثق في المسيح كمُخلِّصه، ونال أيضًا غفران خطاياه، وقد انحنى لبر الله، على هذا الشخص يضع الله ختمه.  إن آخر شيء تفعله بخطاب مُرسَل منك هو أن تضع ختمك عليه.  وآخر شيء يفعله الله مع النفس هو أن يضع ختمه عليها.  إن الإيمان هو شيء ثمين، ويقود إلى معرفة غفران الخطايا، والشعور بأن النفس مباركة من الله.  لكن إلى أن يسكن الروح القدس في النفس، واضعًا ختمه عليها، لا يوجد شعور دائم بالتمتع بالحظوة لدى الله في القلب.  ذلك هو ما يجعل المؤمن مُضيئًا ومُشرقًا.
بعض المسيحيين يقولون: “سأكون سعيدًا تمامًا في السماء”.  لكن لماذا لا تكون سعيدًا قبل أن تصل إلى هناك؟! إن الروح القدس يُسَرّ بأن يجعل النفس تتمتع بما يخصها قبل أن تحصل عليه هناك.  هذا يُذكرنا بما أتى به الجاسوسان الإسرائيليان حاملان عنقودًا من عنب أشكول.  لكن نحن لنا ما هو أفضل جدًا من عنب أشكول.  لقد أحضرا هذا العنب إلى إسرائيل في البرية، لكن نحن قد اُحْضِرْنا بالروح القدس إلى المكان الذي ينمو فيه العنب - إلى السماء – في الروح الآن.
إن الروح القدس يُحضرنا إلى الشعور بمجد وروعة المشهد الذي يُوجد فيه المسيح، وقلوبنا تجد نفسها في بيتها قبل أن تصل إلى هناك.  فنحن نعرف جو السماء ونتذوق مِن ثمارها، قبل أن نصل إليها، إذا كان روح الله في قلوبنا.
وفي العدد السابع عشر من الأصحاح الثالث من الرسالة الثانية إلى كنيسة كورنثوس، نجد حقًا عظيمًا آخر يتعلَّق بالروح القدس «وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ (أو ذلك الروح)، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ».  إن العبودية هي حالة النفس تحت الناموس، بينما الحرية هي نصيب الشخص الذي يمتلك الروح القدس.  هل أنت في حرية؟ إنني أجد كثيرين من أولاد الله الأعزاء يئنون، وينتحبون، وينحنون مثل البردي أو الحلفاء.  وهذا شيء لا يجب أن يكون، لأن «حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ».  ليس فقط أن تعرف أنك مغفور الخطايا، لكن أن تعرف أيضًا اختباريًا أنك خارج دائرة العبودية.
وإذا كان لك الروح القدس ساكنًا فيك، فلك الحرية أن تنظر إلى المسيح في المجد «وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كو3: 17، 18).  إنه الروح القدس آخذًا طريقه بحرية في داخل قلبك.  ثم وأنت مؤَّيد ومُدعَّم بالنعمة، ستكون محفوظًا في سَيْرِكَ في هذا العالم، في حرية الروح القدس، والفرح الذي تزودك به هذه الحرية.
وإذ نأتي إلى الأصحاح الأخير من هذه الرسالة، نجد هناك كلمة جميلة عن الروح القدس «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ (تكون) مَعَ جَمِيعِكُمْ.  آمِينَ» (2كو13: 14).  تلك العبارة استُخدمت كثيرًا بلا ترو وباستخفاف.  لكن لنفكر فيها! لننظر إلى البركة المُتضمَّنة في العبارة: “نعمة المُخلِّص، ومحبة الله، وشركة الروح القدس”.  وما هي شركة الروح القدس؟ أَ ليست هي استنشاق كل محبة الآب، ومجد الابن، بالروح القدس الذي يسكن فينا؟ أخاف أننا نعرف القليل عن هذا الأمر.  وذلك يجعلنا مُلزمين أن نشعر بالرغبة في الحصول على الكثير والأكثر منه.
(يتبع)

و. ت. ب. ولستون

 


و.ت.ب.ولستون