أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2016
النقطة سوداء
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مز١٠٣: ٢)

كان أحد الوُعّاظ يُخاطب مجموعة من الناس، فأخذ قطعة ورقٍ كبيرة، ورسم بقلم عريض بقعةً سوداء في وسطها، ثمَّ رفع الورقة أمام الحضور وسألهم ماذا يرون. فأسرع أحدُهم بالقول: ”نقطة سوداء!“

أجاب الواعظ: ”صحيح، وماذا ترَون بعد؟“ فساد صمتٌ مُطبق. وعندئذٍ سألهم: ”ألا ترون شيئًا غير النقطة السوداء؟“ فقال الجميع بصوتٍ واحد: ”لا!“ إذ ذاك علَّق قائلاً: ”لقد أغفلتم الأمر الأهمَّ؛ أعني الورقة البيضاء!“

ومن ثَمَّ أكدَّ العبرة المُستفادة، فقال: ”إننا في الحياة كثيرًا ما تُلهينا الخيبات الصغيرة وننسى الخيرات الجزيلة التي يُغدِقها علينا الربّ. ولكنَّ خيرات الحياة، كحال الورقة الإيضاحيَّة، تغمرها الظروف المعاكسة التي تستحوذ على انتباهنا.

فعوضًا عن التركيز على تجارب الحياة، ينبغي أن نصبَّ اهتمامنا على بركاتها. ولنقُل مع صاحب المزمور: ئ«مُبَارَكٌ الرَّبُّ يَوْمًا فَيَوْمًا. يُحَمِّلُنَا إِلَهُ خَلاَصِنَا (خيرات)» (مز٦٨: ١٩).

وإذا نحن واظبنا على حمده وتسبيحه، فلن تشغلنا النقاط السود الصغار في حياتنا. وما أحسن أن يكون لسان حالنا ما قاله ناظمُ المراثي: «أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو: إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُوهُ» (مرا٣: ٢١-٢٤)!

عزيزي: إن لنا في معونة الله وتعزياته زادٌ يكفينا حتى نهاية الرحلة.

فلا يَهُنِ الْعَزمُ منكَ ولا

تَخَفْ؛ إنَّ ربَّكَ فَوقَ الجميعْ

وَعُدَّ المَراحِمَ: جُندُ الْعُلَى

تُحيطُكَ دَومًا بسورٍ مَنيعْ