أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أكتوبر السنة 2005
نافذه علي شخصيه كتابيه
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

وجهًا لوجه

لقد كوفئ إيمان أبوي موسى. فبعدما أخفيا الصبي ثلاثة أشهر، وضعاه في سفط على حافة النهر، ثم عهدت ابنة فرعون إلى الأم الشابة أن تُرضعه لها، ثم نُقل موسى إلى قصر فرعون وربَّته ابنة فرعون لنفسها ابنًا، فتهذَّب موسى بكل حكمة المصريين وكان مقتدرًا في الأقوال والأعمال (خر2: 5-10؛ أع7: 20-23).

 لقد أدخلت العناية الإلهية موسى إلى بلاط فرعون، والإيمان أخرجه منه فيما بعد. إذًا موسى ربَّته أمه، ثم تهذب موسى بكل حكمة المصريين. فأية تربية سيكون لها التأثير الأقوى؟ هل تربية أبوي موسى أم تربية المصريين؟ لما كملت له مدة 40 سنة، كان عليه أن يختار، فعمل كأبويه قديمًا«... أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله» (عب11: 24و25). وبعدما قتل المصري هرب إلى أرض مديان حيث بقيَ سنين عديدة يرعى غنم حميه. وفي نهاية هذه المرحلة الطويلة، ظهر له الله لأول مرة في ”العليقة“ المتوقدة بالنار، فماذا كان رَّد فعله بعدما سمع صوت الله يناديه؟ «فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله» (خر3: 6).

 وبعد اختفاء كثير نزل موسى إلى مصر ليتدخل لدى فرعون ليطلق شعب الله. وقد اختبر موسى قوة الله في الضربات التي أنزلها بالمصريين الواحدة بعد الأخرى حتى كانت ضربة الأبكار التي تلاها خروج الشعب. وفي البرية أظهر الله نعمته ومجده في عطية المن وفي إخراج الماء من الصخرة. ثم في الخلاص من عماليق.

 وعندما صنعوا لهم عجلاً ذهبيًا مسبوكًا، حصل موسى بشفاعته على غفران الله، ثم أخذ الخيمة ونصبها له خارج المحلة لأن الله أُهين مجده داخل المحلة، حتى أن كل مَنْ كان يرغب أن ينفصل عن المحلة كان يخرج إلى خيمة الاجتماع التي خارج المحلة (خر33: 7). وفي عبرانيين13: 13 نقرأ التحريض «فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره». وكان جميع الشعب يقومون ويقفون كل واحد في باب خيمته وينظرون وراء موسى حتى يدخل الخيمة. وكان عمود السحاب ينزل ويقف عند باب الخيمة مُظهرًا حضور الله، ثم «يكلم الرب موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه» (خر33: 11). لم يَعُد لدى موسى الخوف كما في وقت العليقة المتوقدة بالنار، ويا لها من شركة سعيدة للخادم مع سيده!!

 وهكذا عبر صلوات كثيرة تعلم موسى أن يعرف إلهه معرفة أفضل: «فالآن إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك، لكي أجد نعمة في عينيك»، فأجابه الرب «وجهي يسير فأُريحك» (خر33: 13و14).

 وبعدما قضى موسى وقتًا في الشركة مع الرب، نزل من جبل سيناء ولوحا الشهادة الجديدان في يده ولم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه (خر34: 29). فيا له من تغيير منذ يوم العليقة في شركة الخادم الكبير مع الرب! في سنتين تقريبًا كان التقدم سريعًا واستمر عبر كل اختبارات البرية. المقاومات التي ظهرت ضد هذا القائد في أكثر من مناسبة، وتذمرات الشعب، وثقل المسئولية، كل هذا ألقى بوزنه وثقله على الإنسان الذي كان يتقدم في العمر. لكن موسى كان يعرف الملاذ والملجأ «فلما دخل موسى إلى خيمة الاجتماع ليتكلم معه، كان يسمع الصوت يكلمه من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بين الكروبين فكلمه» (عد7: 89). ففي القدس تقابل الخادم مع الرب وأخذ وصاياه وكان يلقي عليه همه. أوليس هذا ما يحرّضنا عليه الروح القدس؟!

 وفي سفر العدد أيضًا أعلن الرب نفسه: «وأما عبدي موسى ... هو أمين في كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز، وشبْه الرب يعاين» (عد12: 7و8).

 وهكذا نرى وجهًا مُغطى من الخوف، ولكن الموَّدة تجددت في المَقدس.

 ونرى وجهًا يلمع لأنه تكلم معه. ونرى قبول الإعلانات الإلهية فمًا إلى فم، والمعرفة وجهًا لوجه. مراحل عديدة لشركة متزايدة مع صديق عرفه منذ زمن طويل.

 وأمام خطأ الشعب عند استكشاف كنعان، وفي مواجهة مشاجرة قورح ورفاقه، كان موسى يطلب دائمًا وجه إلهه ويختبر خلاصه. ولما وصل إلى حدود أرض كنعان وقد صار شيخًا ابن مئة وعشرين سنة، صعد وحيدًا إلى جبل نبو ومات هناك. وما أروع ما يوصف به ختام حياته: «ولم يَقُم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهًا لوجه» (تث34: 10).