أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2011
القضية رقم 1 :18
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
إنها أغرب قضية في التاريخ، أمام أعظم المحاكم، والذي حكم فيها هو أعظم قاضٍ. وقد دُوِّنَت أحداث هذه القضية على صفحات الكتاب المقدس.

المتهم فى هذه القضية هو الإنسان. والقاضي هو الله الديان العادل. والمحامي هو الرب يسوع المسيح. والمحكمة هي محكمة العدل السماوية.

وقد أرسلت محكمة السماء إعلانًا على يد محضر، قائلة: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ» (هو4: 1).

وقد بدأت هذه المحكمة في محاكمة الإنسان، على مدار تسع جلسات. كل جلسة من هذه الجلسات تحمل الرقم 1/ 18 أي الأصحاح الأول والآية 18 من بعض أسفار الكتاب العظيم؛ الكتاب المقدس.

الجلسة الأولى: أعمال1: 18 «إِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ».

هذا الكلام قيل عن يهوذا الخائن. وهنا في هذه الجلسة نرى الإنسان، مُمثَّلاً في شخصية يهوذا الخائن، وقد اقتنى حقلاً من أجرة الظُلم؛ أي أن كل مقتنياته ظُلم. وهذا يجعله يقع تحت طائلة القانون الإلَهي. والإنسان هنا متهمٌ، كما يقول عنه الكتاب: «وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ ... لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلَأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ» (تك6: 5، 13)، وأيضًا: «فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ» (رو3: 16، 17). والأدِلّة والبراهين كثيرة في كلمة الله، والتي تؤكد هذه التهمة على الإنسان. وهذا يأتي بنا إلى الجلسة الثانية.

الجلسة الثانية: رومية1: 18 «لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ».

هنا نجد الإنسان يقع تحت طائلة القانون الإلهى «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رو6: 23)، فكان الغضب الإلهي على الإنسان، وفي يوم غضبه من يستطيع الوقوف؟ (رؤ6: 17). وهو «مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ» (إش51: 15)، وهذه هي العدالة. ولا مفرّ من تطبيق القانون كاملاً على الإنسان المذنب. وبعد أن انتهت الجلسة الثانية بالحكم والقضاء على الإنسان، أخذ الإنسان يبحث بطُرُق فاشلة، لخلاص نفسه. وهذا يقودنا إلى الجلسة الثالثة .

الجلسة الثالثة: صفنيا1: 18 «لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ».

وفي هذه الجلسة نجد الإنسان يحاول أن يسترضي عدالة السماء بأقصى ما يملك من فضة وذهب. وظن أنه كما كان يسترضي عدالة الأرض، بالفضة والذهب للإفلات من العقاب، هكذا يستطيع أن يُرضي عدالة السماء. ولكن هيهات! بل وتأتي الصدمة المفاجئة على فم صفنيا: «لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ». أي أن الإنسان في محاولاته الفاشلة يريد أن يُكفِّر عن خطيته بأعماله وبره الذاتي، ولكن هذا لا ينفع. وبذلك وصل الإنسان إلى طريقٍ مسدود. ولكن حيثما وُجِدَ فشل الإنسان يبدأ عمل النعمة العظيم.

الجلسة الرابعة: إشعياء 1: 18 «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ».

فبعد أن ساد الصمت الرهيب في أعقاب الجلسة الثالثة، وسادت على أجواء المحكمة، سحابةٌ من اليأس، والإحباط، والحزن، والفشل، إذا بصوتٍ يجلجل في أرجاء قاعة المحكمة قائلا: «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ» يا لها من دعوة للأمل والرجاء والحياة الأبدية! بل ويقول أيضًا: «إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ». وهذا هو نداء الرحمة والنعمة المُوَجّه إلى الإنسان المسكين المحكوم عليه بالموت، والذي فشل في كل محاولاته. والدعوة لكي تُمحَى خطاياه.

الجلسة الخامسة: فليمون1: 18 «إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ ... أَنَا أُوفِي».

فبينما الإنسان يتصبب عرقًا وهو في قاعة المحكمة، إذا بشخصٍ عظيمٍ وعجيبٍ، يرتدى زي المحاماة، وهو يصرخ لهيئة المحكمة قائلاً: “إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ ... أَنَا أُوفِي.  ولا بد أن أوفي. أنا جئت خصيصًا، ليس لكي أدافع عن الإنسان، بل لكي أوفي حق العدالة الإلهية”. ولكن كيف يوفي العدالة الالهيّة حقها، والمحكمة رفضت الفضة والذهب! هذا يقودنا إلى المفاجأة العظيمة .

الجلسة السادسة: 1بطرس الأولى1: 18 «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ».

وهنا في هذه الجلسة تنكشف لنا أمور عظيمة، وهي أن «الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا» (مز 85: 10) كيف أن هذا المحامي العظيم قَبِلَ طوعًا واختيارًا أن يفدينا بدمه الكريم؟! وارتضى أن يبذل نفسه، لكى يوفي العدالة حقها من جانب، ويرحمنا نحن من جانبٍ آخر!

الجلسة السابعة: يعقوب1: 18 «شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ».

وهنا في هذه الجلسة، نُفاجأ بشيء مدهش للغاية، وهو أننا لم يُطلق سراحنا من قاعة المحكمة فحسب، بل أيضًا يقول شاء فولدنا. نعم وُلدنا. لأننا كنا في حكم الموت والآن مولودين ثانية، ولادة من فوق، بكلمة الله، لكي نكون باكورة من خلائقه. فالخليقة الأولى أفسدتها الخطية ولكن الآن «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كو5: 17). والآن الإنسان المتهم أصبح إنسانًا جديدًا، بل مولودًا من فوق.

الجلسة الثامنة: 1كورنثوس الأولى1: 18 «فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ».

وهنا في هذه الجلسة يكشف لنا عن سرِّ القوة في حياة الإنسان المؤمن، فبعد أن وُلِدَ من الله في الجلسة السابقة، نرى الآن َسِّر القوة في الصليب، الذى به نرى العالم مصلوبًا عليه بالنسبة لنا، بل ونحن صُلبنا عليه. كما يقول الرسول بولس: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل6: 14).

الجلسة التاسعة: أفسس1: 18 «مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ».

وفي هذه الجلسة، نرى ما هو أعظم. ففي الجلسة السابعة، نرى الرب يفتح القلب «شَاءَ فَوَلَدَنَا»، وهنا في الجلسة التاسعة، نرى الرب يفتح الذهن «لأَنَّ هَذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ (الجلسة السابعة)، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ (الجلسة التاسعة)» (1تي2: 3، 4). في هذه الجلسة تستنير عيون أذهاننا إلى ما هو رجاء الدعوة، وغنى مجد الميراث الذى لنا في السماوات.

وهكذا رأينا جلسات المحكمة فى القضية رقم 1: 18 قد بدأت من قفص الإتهام فى أعمال1: 18 وانتهت بالمجد فى أفسس 1: 18.

ملحوظة: لا يمكن لأي إنسان، أيًا كان، أن يستطيع الدخول إلى أرشيف المحكمة السماوية ويطلعنا على ملفات هذه القضيّة ـ لأنها سرية للغاية ـ بل هي كسفرٍ مختومٍ. ولكن الشخص الوحيد الذي استطاع أن يُطلعنا على ملفات هذه القضية، هو مَن نقرأ عنه في يوحنا1: 18 «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ». فالرب يسوع المسيح الذي هو الابن الوحيد، هو الذى يجعلنا نَطّلِع على الملفات السرية الخاصة بالله والمحفوظة في الأرشيف الإلَهي..                                   

يعقوب جاد

يعقوب جاد