«لو كنت تعلمين عطيَّة الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبتِِ أنتِِ منه فأعطاكِِ ماءً حيًًّا» (يو4: 10).
هذه الآية العظيمة تقسم نفسها إلى مقاطع ثلاثة، كل مقطعٍ فيها يعطينا فكرة هامة كما يلي:
أولاً: أن الله معطي:
فيقول المسيح في مقطع الآية الأولى «لو كنتِ تعلمين عطيَّة الله». كثيرون لا يعرفون عن الله سوى أنه مُطالبٌ، لكن ما أقل من عرفوا أنه معطٍٍ. كثيرون يعرفونه كالمنتقم، لكن ما أقل من عرفوه كالمحب. لذلك يقول الرب هنا: «لو كنت تعلمين عطيَّة الله».
وهناك- عزيزي القارىء – ثلاثة أمور يوضحها لنا الكتاب المقدس ويجب أن تعرفها:
1. أن الإنسان مفلسٌ تمامًا، فنحن لا نقدر أن نفي الله حقوقه التي اغتصبناها بارتكابنا الخطايا والمعاصي أمامه. ثم إن الإنسان عاجزٌ تمامًا عن أن يعمل شيئًا يُرضي الله. فالإنسان ميتٌ بالذنوب والخطايا كما يقول الكتاب المقدس. فماذا يستطيع الميت أن يعمل أو يعطي؟ بل ماذا ينتج عن الميت سوى العفن؟!
2. إن الله – في نور الإنجيل العجيب – لا يطلب من الإنسان شيئًا. لأنه أعلم بحقيقة خرابنا الروحي وإفلاسنا التام وعجزنا الكلي.
3. لكن الله ليس فقط لا يطلب منا شيئًا، بل إنه يريد أن يعطينا؛ يعطينا الإيمان والخلاص والحياة. وكل عطاياه لنا هي بالمجان.
تذكر - عزيزي القارىء – هذا المقطع الهام قبل أن ننتقل إلى المقطع التالي «لو كنت تعلمين عطيَّة الله».
ثانيًا: طريق وصول العطية إلينا:
فيقول المسيح: «ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب». ومن هذا نفهم أن عطية الله العظمى هذه ما كان ممكنًا أن تصل إلينا إلا عن طريق المسيح. ما كان يكفي أن يكون الله غنيًا أو مستعدًا للعطاء فقط، بل كان يلزم أن تصل إلينا عطيته، نحن الذين كنا بعيدين جدًا عنه. وحيث إنه لم يمكنا نحن أن نصل إلى الله لنأخذ عطيته، فإن المسيح نفسه قد أتى إلينا من السماء ليكون هو طريق وصول العطية إلينا. وفي سبيل ذلك اتضع جدًا، وافتقر إلى الغاية. لذلك يقول للسامرية: «ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب». بل لقد قبل أن يمضي إلى الصليب. ومن فوق الصليب صرخ قائلاً: «أنا عطشان»
ثالثًا: العطية ذاتها:
فيقول المسيح: «لطلبتِِ أنتِِ منه فأعطاكِِ ماءً حيًّا». ما أعظم هذه العطية؛ الماء الحي! إن الإنسان الطبيعي لا يقدر أن يستغنى عن الماء الحرفي أكثر من ثلاثة أيام وبعدها يموت. لكنك أحوج إلى عطية المسيح، الذي يعطي الماء الحي، قبل أن تمضي إلى بيتك الأبدي، لتقاسي هناك من العطش إلى أبد الآبدين، إذا كنت بدون المسيح.
إن الله من قديم الزمان، بل في الأزل، جهز لنا العطية التي أراد أن يعطيها لنا. ثم من ألفي عام جاء المسيح من السماء إلى الأرض، افتقر وهو غنيٌ، ليكون هو بنفسه طريق وصول عطية الله إلينا.
والآن، في هذا اليوم، بل في هذه اللحظة هو مستعدٌ أن يعطي كل من يطلب منه. لقد قال: «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا»، فاطلب ذلك الآن منه.