منذ البداية إلى النهاية، يُقدِّم الكتاب المقدس الرب يسوع باعتباره حَمَل الله. وهو تشبيه، أو قُل رمز من الرموز العديدة التي يذخر بها الكتاب المُقدَّس، بعهديه القديم والجديد. ويُمكننا النظر إلى هذا الحَمَل العجيب من ثلاثة أوجه:
(١) الوعد بالحَمَل:
يُفتتح أصحاح ٢٢ من سفر التكوين، بمنظر إبراهيم ومعه ابنه الوحيد إسحاق، يصعدان جَبَلَ الْمُرِيَّا. وكان الله قد طلب من إبراهيم أن يقدم إسحاق مُحْرَقَةً. وبينما هما في طريقهما شرع إسحاق في النظر إلى مستلزمات الذبيحة، ووجد شيئًا ناقصًا. ومن ثم سأل أباه: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» (تك ٢٢: ٧). وأجاب إبراهيم ببساطة: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ».
(٢) مجيء الحَمَل:
بعد ما يربو على الألفي سنة من حادث إبراهيم، ظهر الحَمَل على شاطئ نهر الأردن. وما أن التفت يوحنا المعمدان، ورأى الرب يسوع مُقْبِلاً إليه، حتى صرخ قائلاً: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يو ١: ٢٩). والآن دعونا ننظر إلى كل قسم من عبارة المعمدان المهمة تلك:
«هُوَذَا حَمَلُ اللهِ»:
إنه حَمَل الله، وليس من اختيار إنسان. «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يو١: ١١) ولكن هذا الذي رفضه الإنسان، هو عينه اختيار الله الكامل. وباعتباره حَمَل الله كان «بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ» (١بط١: ١٩)؛ فهو «لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً» (١بط٢: ٢٢)، «لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً» (٢كو ٥: ٢١)، «وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (١يو٣: ٥). حتى غير المؤمنين عبَّروا غير مرة عن كمال شخصه. فنجد بيلاطس يقول: «لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً» (يو١٩: ٦)، وقال يهوذا الإسخريوطي: «أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا» (مت ٢٧: ٤). وأدرك الجندي الروماني عظمه شخصه .. فقال: «حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ» (مر ١٥: ٣٩). ومع ذلك لم يكن مُختارًا من الإنسان.
«الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ»:
لم يحدث هذا الأمر قبلاً. «لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا» (عب١٠: ٤)، فقط تغطيها. ولكن فقط «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يو١: ٧).
«الْعَالَمِ»:
في تكوين ٢٢ مات الكبش عوضًا عن إسحق. وفي خروج ٢٢ كان حَمَل الفصح يموت عوضًا عن بيت. ولكن حَمَل الله، ربنا يسوع المسيح، مات عن خطية العالم. ألا يقودنا هذا الأمر للسجود؟
(٣) السجود للحمل:
يسجل الأصحاح الخامس من سفر الرؤيا سجود ثلاث فرق مختلفة كاستجابة على مجد الحَمَل:
(أ) الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا، وهم يمثلون المؤمنين في المجد، نراهم وهم يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً للحَمَل: «مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا (افتديتنا) للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (ع ٨ -١٠). وتلك إجابة الفريق الذي أفاد شخصيًا بعمل الحَمَل.
(ب) وتنضم الملائكة إلى الجوقة، لا كهؤلاء المفديين، بل كمن نظروا موته، فهتفوا «قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مُسْتَحِقٌ هُوَ الْخَروُفُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ!» (ع١١، ١٢).
(ج) كل الخلائق الحية في السماء، وعلى الأرض، ومن تحت الأرض، تلحق بزمرة السَّاجدين، لأنهم أدركوا عظمة هذا الحَمَل المجيد «وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (ع١٣).
لماذا هو مستحق؟
يوضح الأصحاح الخامس من سفر الرؤيا الإجابة على هذا السؤال في ثلاثة أسباب:
(أ) يقول رؤيا ٥: ٥: «هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ». فهو مستحق بذاته - كالوارث الشرعي لعرش داود. وفي الحقيقة هو داود الحقيقي.
(ب) ويقول رؤيا ٥: ٦ إنه كان فِي وَسَطِ الشُّيُوخِ «خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ». فهو مستحقٌ لسبب عمله الذي عَمِل. فباعتباره حَمَل الله الكامل، وضع حياته لأجلنا، لتكون لنا حياة.
(ج) وفي رؤيا ٥: ٧ يقول إنه تقدَّم «فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ». وبأخذه السِّفْر من يد الله، يُمهِد لتوقيع الدينونة على العالم الرافض للمسيح. ويصف رؤيا ٦: ١٦ هذا العمل بأنه «غَضَبِ الْخَرُوفِ». ونحن نسجد له، لأنه الوحيد الجدير بإنزال الدينونة..
إن ربنا المعبود، حَمَل الله الكامل، مُستحقٌ تسبيحنا، ليس الآن فقط، بل وفي يوم آتٍ أيضًا، بل هو مُستحقٌ ما هو أكثر: طاعتنا، وخدمتنا، وثقتنا. فهو حَمَل الله، وهو مُستحقٌ!