أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أبريل السنة 2007
كلمة الله (عبرانيين 4 : 11 و12)
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

موضوع هذه الرسالة العظيمة، المرسلة إلى العبرانيين، يتكلم عن تفوق المسيح وأفضليته على كل الأشخاص والرموز على الإطلاق. وغرضها تثبيت المؤمنين بالايمان, وتحذير المعترفين منهم.

والأصحاح الرابع من هذه الرسالة ينتهي بذكر المعونات الثمينة المعطاة للمؤمنين، والتي تحفظهم ليستمروا في التقدم بشجاعة في رحلتهم في البرية إلى راحة الله, رغم كل ما يصادفهم في الطريق.

  1. كلمة الله: تعيننا لأنها حية وفعالة (ع 12، 13).
  2. خدمة المسيح الكهنوتية: فالمسيح هو رئيس الكهنة العظيم الحي عن يمين الله (ع14،  15).
  3. عرش النعمة:  حيث ننال الرحمة والنعمة والعون في حينه (ع 16).

****

 ينتهي الأصحاح الثالث بذكر خطيتين للشعب القديم، الذي سقطت جثثه في القفر: هما العصيان، أي عدم الطاعة؛ وعدم الايمان.  لذا لم يقدروا أن يدخلوا راحته0 وفي نهاية الأصحاح الرابع لنا موردان في المسيح لمواجهة العصيان وعدم الإيمان: كلمة الله, ورئيس الكهنة.

يقول الرسول في العدد 12: «لأن كلمة الله حية وفعالة» وكلمة ”لأن“ تربط هذا العدد بما سبقه, الذي تكلم عن عصيان الشعب القديم وعدم إيمانهم0 فمن يكشف عدم الإيمان في القلب؟ إنها كلمة الله التي هي ليست فقط حيّة وفعّالة, وإنما تميِّز أفكار القلب ونياته. والرب نفسه، كل شيء مكشوف وعريان أمامه (ع 13).

يا لها من تعزية، أننا نتعامل مع الله, والله يتعامل معنا بكلمته! «أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب، وكمطرقة تحطم؟» (إر 23: 28، 29).  «إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله... هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله» (2كو 10: 4، 5).

وكلمة الله ”حيَّة“: أي ليست مجرد حروف ميتة, ولكنها حية، وتحيي من يقبلها بالإيمان «الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة» (يو 6: 63).  وهي حية لأن الذي أوحى بها هو الله الحي.

وفعَّالة: فعَّالة بالروح القدس الذي يستخدمها, فتؤثر على القلب والضمير, كما حدث في أعمال 2 . وعملها مزدوج:

  1. أنها تعلن وتميِّز أفكار القلب ونياته,
  2. أنها تأتي بالنفس إلى محضر الله الذي نتعامل معه.

 تكشف لنا الكلمة الشهوات المخبأة في النفس، والخطايا الدفينة في القلب. وهكذا تعلن الصفة الحقيقية للجسد.
ما هو حق أن أفكارنا تُقرأ وتُكشف في السماء.  فكم يجب أن نتحذر ونسهر على كل ما يجول في أفكارنا ”هذا الشبح المارد“ كما وصفه داربي.  الروح القدس يحذرنا في رومية 10: 6 «لا تقل في قلبك»  لأننا نقول كثيرًا في  قلوبنا أشياء غير نافعة، وأحيانًا غبية ومضرة, لذا ينهي داود صلاته في مزمور 19 برغبة ملحة إلى حياة القداسة في الداخل والخارج فيقول: «لتكن أقوال فمي، وفكر قلبي، مرضية أمامك يا رب. صخرتي ووليي»

الكلمة حية وفعالة، أي قوبة ونشيطة, لأن الكلمة كما يقول الرب في مرقس 4: 26-28 «كأن انسانًا يلقي البذار على الأرض... والبذار يطلع وينمو، وهو لا يعلم كيف»  فكلمة الله دائمًا عاملة، تنمو وتنشط في أفكارنا وبواعثنا ودوافعنا الداخلية, وتنتج ثمرًا في أقوالنا وأفعالنا, وتعين في التجربة.  نستطيع أن نرى فعالية الكلمة عندما نرى قوتها وسلطانها في ما تحدثه من تغييرات فجائية ومدهشة في حياة الناس.  عندما نرى المستهترين العالميين الأنانيين المنحطين, وإذا بهم يصبحون قديسين أتقياء طاهرين, نالوا الحياة الأبدية بفضل وتأثير سلطان الكلمة القوي الجبار (كما في مرقس 5: 15).

«وأمضى من كل سيف ذي حدين»: كلمة الله لا يمكن أن تكون حية وفعالة دون أن تكون أيضا ”سيفًا ذا حدين“، يخترق المفاصل والمخاخ، وينفذ إلى أعماق الأفكار والنوايا، مميزًا بدقة كل الأمور الدفينة التي في حالتنا الطبيعية. 

”سيف ذي حدين“:
بالنسبة للخاطىء تكشف أفكار قلبه، وتصبح عريانة أمامها. «من فمه يخرج  سيف ماض، لكي يضرب به الأمم» (رؤ 19: 15).  والسيف ذو الحدين يضرب ويقطع في كل اتجاه لجميع الخطاة.

وبالنسبة للمؤمن نقرأ في رؤيا 1: 16 «ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب. وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه».  في حد يقطع كل المسالك الخارجية والطرق التي لا تتناسب مع حياة الايمان, والتي هي من هذا العالم0 بينما الحد الآخر يتجه إلى الداخل ليفطم القلب عن كل شيء لا يرضي الرب ولا يمجده. ليتنا نحكم على كل طريق باطل فينا قبل أن نحكم على الآخرين.  إن سهم الكلمة الموجه إلى القلب والضمير يخترق ويفحص ليس فقط حياتنا الخارجية, بل يكشف الدوافع الداخلية ونبع الشر، مظهرة كم يوجد في الذات أشياء غير مقدسة وغير طاهرة,  ويجب الحكم عليها.

في أيام يوشيا وجدوا سفر الشريعة, ولما سمع الملك ما تقوله كلمة الله والحالة التي هم فيها, مزق ثيابه، واتضع أمام الرب، الذي أبعد الغضب عن أيامه (2مل 22)، وقطع عهدًا أمام الرب للذهاب وراء الرب (2مل 23: 3). 

وكلمة الله هي سراج ونور وينبوع ماء حي وطعام ونبع خلاص ومصدر قوة ومعرفة وإعلان للنعمة والمجد, كما هي تعلن المسيح لنفوسنا. وإلى جانب كل ذلك مطلوب أن نستعمل هذه الكلمة استعمالاً فعالاً في الحرب على كل وجه. هذا السلاح استعمله الرب (مت4).  كان منفردًا في البرية، لا سند له ولا عون إلا ذلك السلاح, وبه أسكت العدو وانتصر وتركه لنا لنستعمله مثله.

في رؤيا 2: 12- 16 إلى برغامس يقول: «الذي له السيف الماضي ذو الحدين», ليقضي على الشر, حيث أدخل الشيطان التعاليم الزائفة والنجاسة والتحالف الدنس مع العالم. ونحن علينا أن نحارب الشر بنفس السلاح، كما فعل أنتيباس الشهيد، وسنأخذ أجرة الغلبة.

«وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ» إنها مركز التفكير والإحساس والحركة والنشاط. إن كلمة الله بقوة الروح القدس تفصل بين النفس والروح، وتميز الواحدة عن الأخرى. فكلما انتصرت على نفسي باستخدامي فصلاً من الكتاب, وبقوة الأفكار الروحية الكامنة في ذهني، فهناك يكون الفصل بين النور والظلمة. فالعواطف والنيات وسائر الاتجاهات المنحرفة عن الحق, والتي تصدر من أسفل، تصحح وتدان بالروح من فوق. 

المفاصل: توضيح مأخوذ من الجسم. فالمفاصل هي التي تمكِّن الجسم من ممارسة نشاطه الخارجي، فإذا كان الجسم كله يابسًا صلبًا، لا تكون هناك إمكانية الحركة والنشاط. فالمفاصل مرتبطة بالظواهر الخارجية, في حين تشير المخاخ إلى ما هو داخلي, وهي في الواقع جوهر ومركز كيان الانسان البدني. 

كلمة الله تبيِّن للانسان ما هو على حقيقته تمامًا, ومن هذا الوجه هي مميزة، كالقاضي، بين أفكار القلب ونياته.  إنها تدين ما في القلب، وتميِّز ما هو من الله, وما ليس منه.  تظهر ما هو معيق ومعطل لسلوكنا بالروح, وتكشف حيل وفخاخ قلوبنا.
ونياته: النوايا نفسها تدينها الكلمة! قد تظهر نيتي حسنة, لكن عندما تخترقها كلمة الله وتكشفها, هل تحتمل دينونتها؟  كل شيء فينا يحتاج أن يدان ويفحص بالكلمة, لكي لا يتوقف سيرنا في البرية, ولا نتباطىء، بل نسعى نحو الهدف.  كم هي ثمينة هذه الكلمة, إنها قائد إلهي لنا. 

لندع الكلمة تحكم وتدين أفكار القلب، بدلاً من أن نطلق العنان للشهوات والأباطيل. لندع السيف ذا الحدين يدخل، ولن يشفق على أقل أثر للخطية, بعد أن ينفي الأعداء من القلب، ويدين الشهوات المحببة والمخفية في طيات القلب.

لويس الحلو