أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2017
راحةُ عزيزِ يعقوبَ - إنجيل الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«لاَ أُعْطِي وَسَنًا لِعَيْنَيَّ، وَلاَ نَوْمًا لأَجْفَانِي، أَوْ أَجِدَ مَقَامًا لِلرَّبِّ، مَسْكَنًا لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ» (مز١٣٢: ٤، ٥)

هل للقويِّ الجبارِ، من تُسبِّحُهُ الشمسُ والأقمارُ أن يلتمِسَ راحةً؟ هل لمن به وله خُلِقَ الكلُّ أن يجدَ قلوبَ محبيه واحةً؟ هل لساكِنِ الأبَدِ، لمن السماواتُ عرشُهُ والأرضُ موطئُهُ أن يسكُنَ أوانٍ خزفية، ولمعْرَضِ المجدِ مستقبلاً، يشبٍ بلورية، أَسَرَ قُلوبَها فغدَتْ له بنفحاتِ الحبِّ فوَّاحةً؟ إنه العزيز!

صديقي، إن عزيزَ يعقوبَ، يُشدِّدُ سواعِدَ مقذوفي السهامِ ويعينُ المتمردين، ألم يُكتب عن يوسُفَ: «فمرَّرَتْهُ ورَمَتْهُ واضطهَدَتْهُ أربابُ السهامِ، ولكن ثَبَتَتْ بمتانةٍ قوْسُهُ، وتشدَّدتْ سواعِدُ يدَيْهِ، من يَدَيْ عزيزِ يعقوبَ» (تك٤٩: ٢٣، ٢٤). وعزيزُ يعقوبَ يُغني أحباءَه ويجعلهُمُ للبن الأمم راضعين: «وترضعينَ لَبَنَ الأممِ، وترضعين ثُدِيَّ مُلوكٍ، وتعرفينَ أنّي أنا الربُّ مخلِّصُكِ ووَليُّكِ عزيزُ يعقوبَ» (إش٦٠: ١٦). وعزيزُ يعقوب أيضًا، يُفقِرُ أعداءَه ويجعَلهُمُ للحومِ أنفسِهِم آكلين: «وأَطْعِمُ ظَالِميكِ لحمَ أَنْفُسِهِمْ، ويسْكَرُونَ بدَمِهِم كما من سُلاَفٍ، فيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أني أنا الربُّ مُخَلِصُكِ وفاديكِ عزيزُ يعقوبَ» (إش٤٩: ٢٦).

صديقي، مع أن عزيزَ يعقوبَ سيجعَلُ شعبَه للبنِ الأمم راضعين، ولكنه هو بعينِهِ الذي سيجعَلُ أعداءَ شعبِهِ للحومِ أنفسِهم آكلين؛ ولكنه هو القاضي، وهو الشارع والملك والمخلِّص، وهو غافرٌ إثمَ الآثمين، فنقرأ: «بل هناك الربُّ العزيزُ لنا ... فإن الربَّ قاضينا، الربُّ شارعُنا، الربُّ ملِكُنا، هو يُخلِّصُنا ... ولا يقولُ ساكِنٌ أنا مَرِضْتُ. الشعبُ الساكِنُ فيها مغفورُ الإثمِ» (إش٣٣: ٢١-٢٤). ولكن ها غافِرُ إثمَ الآثمينَ، عزيزُ إسرائيل، سينتقِمُ من أعدائِهِ ويستريحُ من المخاصمين، لذا نسمعُهُ يقول: «لذلِكَ يقولُ السيِّدُ، ربُّ الجنودِ، عزيزُ إسرائيلَ: آه إنّي أستريحُ من خُصمائي وأنتقِمُ من أعدَائي» (إش١: ٢٤).

ولكن يا عزيزي، من العَجَبِ وكلِّ العَجَبِ، أن نجدَ العزيزَ هذا، والذي يُجري كلَّ هذا بقلبِهِ وبساعِدِهِ بل وبنفخةِ فمِهِ، هو يقبلُ هديةَ المُذَلِّين المصممين، بل والأكثر يقبَلُ إقامةً ومسكِنًا في قلوبِ التائبين.

فهذهِ الآيةُ المذكورةُ أعلاه، مُقْتَبَسةٌ من مزمور ١٣٢، الذي في فاتحتِه نقرأ عن ذُلِّ واجتهاد بل وتصميم داود على أن يجِدَ مكانًا لسُكنى التابوت وَسَط شعبِ اللهِ فنقرأ: «اُذْكُر يا ربُّ داود، كُلَّ ذُلِّهِ. كيف حَلَفَ للربِّ، نَذَرَ لعزيزِ يعقوبَ. لا أدخُلُ خيمةَ بيتي ولا أصعَدُ على سريرِ فراشي. لا أُعطي وَسَنًا (نُعاسًا) لعينيَّ، ولا نومًا لأجفاني، أو أجِدُ مقامًا للربِّ، مسكِنًا لعزيزِ يعقوبَ» (مز١٣٢: ١-٥)، ولكن، أكانت هذهِ أماني ساذجة من جانبِ داود ولم تكن كذلك لدى الربِّ؟

كلاً، فلقد دعاه داود: «قُمْ يا ربُّ إلى راحتِكَ أنت وتابوتُ عزِّكَ» (ع٨). وإذ بنا نجد الرغبةَ مُتَّسِقةً في قلب الربِّ تمامًا فيُجيبُ: «لأنَّ الربَّ قد اختارَ صهيَوْنَ، اشتهاهَا مسكِنًا له: هذهِ هي راحتي إلى الأبدِ، ههنا أسكُنُ لأني اشتهيتًها» (ع١٣، ١٤).

تعال َبيننا

أقِمْ عِندنا

وخذ من قُلوبِنا

لك مسكِنًا

بطرس نبيل