في عام ١٩٢٧م. تسبَّب زلزال في انهيار الضفة الغربية، وتم سد نهر الأردن لأكثر من ٢١ ساعة.
قد تشير هذه الأحداث إلى تفسير ”طبيعي“ لما حدث قبل قرون مضت، ولكنها لا تنتقص بأي حال من الأحوال من التدخل المعجزي، الفائق للطبيعة، الذي فتح الطريق أمام بني إسرائيل، في اللحظة التي احتاجوا فيها إلى العبور.
عظات منطقية عقلية
واليوم، فإن المُعلِّمين أشباه الصَّدُّوقِيِّين، يُقدّمون عظات جيدة الإعداد، لتعليم الأخلاق والمبادئ والفلسفة. وهكذا فلنا تحذير الرسول بولس: «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ» (كو ٢: ٨). فعلى سبيل المثال، يُعلِّم هؤلاء أنه يجب أن نتعامل مع الضيقات بشعار ”ابتسم وتحمَّلها“! وهذه هي الرواقية أو الفلسفة المنهجية للفلاسفة الرواقيين! لكن الموقف المسيحي، الذي نتعلَّمه من الكتاب المقدس، هو أن ترى يد الله عاملة في الضيقات، لتُنتج لنا خيرًا روحيًا «لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ، بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ» (عب ١٢: ١٠، ١١).
ويُعلّمنا الكتاب المُقدس أن الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع الضيقات هي «لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ، وَاصْنَعُوا لأَرْجُلِكُمْ مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً، لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى» (عب ١٢: ١٢، ١٣)، «فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (١بط ٥: ٦، ٧).
فرِّيسِيو اليوم
ينجذب المسيحي المحافظ إلى الفريسية أكثر من الصدُوقيّة. ويميل المحافظون إلى المبالغة وتشويه المبادئ الأخلاقية والدينية للكتاب المقدس، معتقدين أنهم بذلك سيكونون أكثر برًا. وبتحريفهم لكلمة الله يحصلون بسهولة على بر ذاتي تقليدي آلي، بدون أدنى شعور بالتواضع، مما يولِّد فيهم رغبة شديدة في معاقبة الخطاة بدلاً من ردّ نفوسهم.
على سبيل المثال «قَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ، قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ» (يو ٨: ٣ - ٦). وعلى ما يبدو، كانوا يشعرون بالرضا لضبطها متلبسة في ذات الفعل. لكننا نرى الرب يقودهم إلى الحكم على الذات «وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ! ... وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا ... وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ ... فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يو ٨: ٧ - ١١).
فرائض وقوانين البر الذاتي
يتحدى الكتاب المقدس مَن لهم ميول فريسية بالسؤال: «إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: لاَ تَمَسَّ! وَلاَ تَذُقْ! وَلاَ تَجُسَّ! الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ، الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ» (كو ٢: ٢٠ - ٢٣). إن الاهتمام ومحاولة الالتزام بمثل هذه الفرائض يُعزز الشعور بالبر الذاتي، والرغبة في فرضها على الآخرين. علينا بالأحرى أن نحيا طبقًا للتحريض: «أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ ... وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أف ٤: ٢٢ - ٢٤، ٣٢).
الحرمان من المَسَرَّات والراحة
تميل تعاليم الفريسين إلى تصوير الله على أنه يريد حرمان البشر من أية لذة ومسرة. لكننا لدينا التأكيد: «فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ (مَسَرَّات) إِلَى الأَبَدِ» (مز ١٦: ١١). ولكن المقصود نوعًا مختلفًا من اللَّذَّاتِ والمَسَرَّات. ويا لها من لَّذَّات ومَسَرَّات حقيقية!
يُبارك الله الإنسان بالبركات واللَّذَّاتِ الأرضية، حتى من الطعام والشراب. ويفرز مخ الإنسان مواد كيميائية نافعة بعد الوجبات الشهية. ولقد شارك الرب يسوع في وجبات عشاء، «وَصَنَعَ لَهُ لاَوِي ضِيَافَةً كَبِيرَةً فِي بَيْتِهِ. وَالَّذِينَ كَانُوا مُتَّكِئِينَ مَعَهُمْ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ عَشَّارِينَ وَآخَرِينَ. فَتَذَمَّرَ كَتَبَتُهُمْ وَالْفَرِّيسِيُّونَ عَلَى تَلاَمِيذِهِ قَائِلِينَ: لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ؟» (لو ٥: ٢٩، ٣٠؛ أع ١٠: ٤١)، وقال الرسول بطرس «أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ» (أع ١٠: ٤١). وقال الرب يسوع: «جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (مت ١١: ١٩). ومع ذلك فإن حياة المسيح كانت في الأساس إدانة لحياتهم. وحياتنا يجب أن تتشابه مع حياته: «لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ ... فَلْنَعْكُفْ إِذًا عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ، وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ» (رو ١٤: ١٧، ١٩).
أخبَرني صديق أنه لم يستمتع بزيارته لعمته التي تسكن بعيدًا. ولما سألته عن السبب، أجاب: ”إنها متزمتة وصارمة ... إنها متزمتة وصارمة جدًا“. واكتشفت بعدها أني أعرف عمته. لم يجعلها تزّمتها شهادة على صلاح الرب، بل على برها هي الشخصي!
من المعروف جيدًا أنه لكي نكون مُثمرين، نحتاج إلى وقت للراحة والاستجمام. بعدما تمَّم التلاميذ ما أرسلهم ليفعلوه (مت ١٠: ٥ - ٨)، قال لهم الرب: «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً» (مر ٦: ٣١). إنه ليس سَيِّدَا قاسيًا!
وماذا يمكننا أن نفعله للراحة والاستجمام؟ أعطانا الرسول بولس بعض الإرشادات: