أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2024
سَارَةُ ... بَطَلةُ الإِيمَان
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ.

لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ» (إش٥١: ٢).

عندما نتفكر في سَارَة، غالبًا ما نتذكر عثراتها. ومَن مِنا ينسى اقتراحها لإبراهيم بأن يُحاول إنجاب ابن الموعد من خلال جاريتها المصرية، هَاجَر؟! أو مَن ينسى كيف ضحكت إزاء وعد الرب لها بأنها ستُنجِب طفلاً؟! بيد أن إشعياء النبي يضع سَارَة كمثال عظيم لأُمَّة إسرائيل، في وقت حرج من تاريخها: «انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ» (إش٥١: ٢).

وفي هذا المقال أحب أن أُشير إلى سبع نقاط، أو سبعة طرق، نرى فيها سَارَة مثالاً عظيمًا يُحتذى:

(١) التكريس التام:

قبل عدة سنوات خلت، وفي حفل زفاف أخي، ردَّدت العروس كلمات راعوث المعروفة، لنُعْمِي حماتها: «لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي» (را١: ١٦).

وربما تكون سَارَةُ هي أول عروس في الكتاب، تُعبِّر بسلوكها عن روح هذه الكلمات. تخيَّل ماذا كان يعني لها أن تترك حَارَان، وهي بلد نشأتها، ومركز كثير من الحضارات في العالم القديم، بلا أمل في رجوع! كم من الزوجات اليوم، تجدهن راغبات في ترك بيوتهن المريحة، ليعشن حياة الترحال والغربة، في أرض جديدة، تعج بالأعداء؟ لعل هذا يُفسر لماذا أطلقت على هذه النقطة عنوانًا: التكريس التام. تكريس تام لِرَجُلِهَا، ولشعب رَجُلِهَا، ولإله رَجُلِهَا.

(٢) الاحتمال بصبر:

أصحاح الإيمان العظيم في رسالة العبرانيين، الذي يذكر سَارَة كواحدة من الأمثلة لنحذو حذوها، يتبع بهذه الكلمات: «لْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عب١٢: ١). كثيرون من المسيحيين اليوم، يبدأون بداية حسنة، نظير سَارَة: بتكريس والتزام قويين نحو الرب، ونحو أزواجهم، ونحو دعوتهم. ولكن مَن يستمر في الشوط إلى النهاية؟ ولكن سَارَة عاشت التزامها بأمانة، لفترة تربو على الخمسين عامًا. ويقول الكتاب، مُتحدثًا عن إبراهيم وسَارَة: «فَلَوْ ذَكَرُوا ذلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ» (عب١١: ١٥). ولكن كلا! لم تلتفت سَارَة إلى الوراء، بل أكملت بصبر السعي إلى النهاية.

(٣) كرم الضيافة:

لم تكن سَارَة أمينة فقط في قرارات الحياة الكبيرة، بل أيضًا في تفاصيل الحياة الدقيقة. لاحظ ماذا حدث في تكوين ١٨، عندما حلَّ ثلاثة غرباء على خيمة لإبراهيم، على غير توَّقع. هرع إبراهيم إلى سَارَة، وقال لها: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ» (ع٦). وقد يتكرر مثل هذا الأمر مع الأزواج تجاه زوجاتهم اليوم، ومع ذلك لم تَشْكُ سَارَة، ولم تتأفف. وعلم إبراهيم أن ثقته في كرم سَارَة، في محلها. وكما يُذكّرنا كاتب العبرانيين: «لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ» (عب١٣: ٢). وبالنسبة للرجال، نلاحظ أن إبراهيم هو الذي جهز الْعِجْل الرَخْص «رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ» (ع٧).

(٤) خضوعها لزوجها:

لم تكن سَارَةُ بالزوجة الخفيفة أو المتهورة. ورواية سفر التكوين تُدلّل على ذلك بوضوح. كانت تمتلك عقلاً راجحًا، وقد وظَّفته جيدًا! ولا شك أنها كانت خير مُعين لإبراهيم، فوق عبيده البالغين نحو ثلاثمائة رجل، وآلاف البهائم. ومع ذلك يؤكد الكتاب: «كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ: سَيِّدَهَا» (١بط٣: ٦). لم يكن الرسول بطرس يُشير إلى موقف أو اثنين من حياة سَارَة، بل إلى مُجمَل حياتها. كان موقفها تجاه إبراهيم يتسم بالطاعة والاحترام.

(٥) الإيمان والثقة في موعد الله:

معظم الناس يذكرون لسَارَة ضحكة عدم الإيمان، عندما قال الرب إنها مُزمعة أن يكون لها ابن. ولكن الكتاب يُذكّرنا أيضًا: «بِالإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضًا أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْل، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقًا» (عب١١: ١١). ومع أن إبراهيم هو رَجُل الإيمان العظيم، إلا أن سَارَة لم تكن أقل إيمانًا. كان لها هي أيضًا علاقة شخصية حيَّة مع الله القدير غير المحدود. ومثل سَارَة، علينا ألا نستند على إيمان الآخرين، بل نُطور ونُنمي شركتنا السرية مع أبينا، في المسيح.

(٦) الشكر لله:

أشرنا مرارًا إلى ضحكة سَارَة عندما زار الرب إبراهيم «ضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ، وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ؟» (تك١٨: ١٢). ولكن في الواقع، فإن سَارَة ضحكت مرتين: الأولى: ضحكة عدم إيمان، خفية، نحو وعد الملاك (تك١٨: ١٢). والثانية: ضحكة الشكر العلانية عند مولد إسحاق «وَقَالَتْ سَارَةُ: قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي» (تك٢١: ٦).

يا له من مثال يُحتذى! كم تفيض رسائل الرسول بولس بالتحريضات لنكون شاكرين!

هل باركك الرب مؤخرًا بمولد طفل؟ أو رزقك بوظيفة جديدة؟ أو بمنزل جديد؟ أو بأصدقاء جُدد؟ أو بعطلة؟ أو باحتفال مُبهج؟ أو بذكرى سعيدة؟ هل انتبهت إلى ضرورة تقديم الشكر لله فيها؟ إن التذمر وعدم الشكر من سمات الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة «لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ ... غَيْرَ شَاكِرِينَ» (٢تي٣: ٢).

(٧) الحكمة والتمييز:

رغم أن سَارَة معروفة بطاعتها لإبراهيم، إلا أنه في موقف واحد على الأقل، كان على إبراهيم إطاعة سَارَة. فعندما رأت سَارَة ابن هَاجَر يمزح مع إسحاق، يوم فِطَامِ إسحاق، نصحت إبراهيم: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». وعندما تلكأ إبراهيم في فعل ذلك، قال الله له: «فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ» (تك٢١: ١٠-١٢).

لقد رأت سَارَة أن ابن الجسد وابن الموعد، أو وريث الجسد ووريث الموعد، لا ينبغي أن يكونا في ذات البيت. ويُعلق الرسول بولس، في رسالة غلاطية، على حكمة سَارَة، واصفًا نصيحتها لإبراهيم، بأنها قول الكِتَاب: «لكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ اطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ» (غل٤: ٣٠).

لقد رتّب الله أن تكون زوجاتنا معينات لنا. وكانت سَارة بالفعل كذلك لإبراهيم. ليت نساءنا المؤمنات المسيحيات، يكن في شركة وثيقة مع الله، ليكون لهن فكر الرب، نظير سَارَة، فيجد أزواجهن نصيحتهن السديدة عند الحاجة. وليت الرِّجَال المسيحيين، يكون لهم الحكمة الكافية نظير إبراهيم، للإصغاء إلى زوجاتهم، عندما يؤكد الله لهم فكره بشأن القضية المطروحة للسؤال.

دوجلاس هاي هو