أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2024
الكنيسة: مُبَارَكَةٌ بِلا عَهْدٍ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

العهد الأول المسجل في الكتاب المقدس هو عهد الله مع نوح. ومع كل الجنس البشري، بل وأيضًا مع الحيوانات والطيور (تك٩: ٨-١٧)، وبمقتضاه لن يُرسل الله أبدًا طوفانًا من الماء ليهلك الأرض. هذا وأن عهود الله الأخرى قد تأسست مع إسرائيل، كما يعلن الكتاب بوضوح في رومية ٩: ٤.

العهد الإبراهيمي:

أول عهود الرب لإسرائيل، أُعطى مباشرة لإبراهيم: «فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ» (تك١٧: ٢)، ثم يُضيف الله مُستطردًا: «وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ» (ع٧، ٨).

بالطبع، إن النسل الموعود بكل أرض كنعان ليس إلا أُمَّة إسرائيل، والوعد مُطلَّق وغير مشروط. ولا يمكن أن يكسر الله عهده. كما ولن يضع على إسرائيل أي شروط ليُجري لهم عهده.

العهد السينائي:

ولكن في خروج ١٩ أبرمَ الله عهدًا آخر مع إسرائيل في برية سيناء. وفي إطاره يأمر الله موسى أن يخبر جماعة بني إسرائيل: «فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ» (ع ٥).

وهذا العهد يقف على طرف نقيض مع العهد الإبراهيمي. ذلك لأنه مشروط بطاعة إسرائيل، ومن ثم فهو ليس عهدًا أبديًا. فلو أطاع إسرائيل، حينئذ فقط يكونون خَاصَّةً (كنزه الخاص) للرب، مملكة كهنة وأمة مقدسة.

ولكن لماذا صنع الله هذا العهد بعد العهد الإبراهيمي غير المشروط؟ الإجابة: لأن إسرائيل في ثقة زائفة بالنفس، اعتدوا بأنفسهم واعتبروا أنفسهم مستحقين لمواعيد الله، ظانين أنهم يقبلونها على أساس أعمالهم الحسنة. حسنًا جدًا. ها هو الله يعطيهم عهد الناموس، مُمثلاً في عشر وصايا، ليكون بمثابة امتحان لصلاحهم المزعوم. ومن ثم يتعلَّمون بالاختبار أنهم لا يستحقون سوى الدينونة.

وعلى الرغم من كسرهم للناموس، ونقض العهد، إلا أن ذلك لم يُبطل العهد مع إبراهيم. كما يخبرنا غلاطية ٤: ١٦-١٨: لقد استمر العهد الإبراهيمي قائمًا لأنه أبدي، ولا يتوقف على طاعة إسرائيل.

بيد أن العهد الإبراهيمي لا يجد إتمامه إلا في المسيح. لأنه أُبرم مع إبراهيم ونسله: «وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ» (غل٣: ١٦). ورغم أن أنسال إبراهيم عديدة وهائلة، إلا أن البركة تأتي من نسل واحد: المسيح. لأن إسرائيل كأمة رفضت رب المجد المبارك، ومن ثم فقدوا كل حق في الوعد. ولذلك عند رجوعهم إلى الرب، لن يجدوا سندًا للمطالبة بالعهد، بل سيأتون فقط باعتبارهم أواني للرحمة (رو١١: ٣١، ٣٢)، أي على ذلك الأساس نفسه الذي يقبل على أساسه الأمم، وبهذه الطريقة العجيبة، سيُظهر الله قوته ونعمته المذهلتين في إتمام عهده لإبراهيم. كم هي رائعة حكمته وطرقه!

العهد الجديد:

يحدثنا إرميا ٣١: ٣١-٣٤ عن عهد جديد سيقطعه الله، في يوم قادم، مع إسرائيل أيضًا. ولن يكون هذا العهد الجديد كذلك العهد المُبرم في خروج ١٩، والذي كسره إسرائيل. فهذا العهد الجديد ليس مشروطًا بطاعتهم. لذلك هو يتوافق مع العهد المُبرم مع إبراهيم.

ولكي يُحضِر إسرائيل إلى مسياهم الحقيقي، على أساس العهد الجديد، سيجعل الله ناموسه في دواخلهم، ويكتبه على قلوبهم. هذه هي الولادة الجديدة الثمينة. يا له من تغيير سيكون لهذه الأُمَّة! تغيير سيظهر في البركة الأرضي التي ستشملهم، البركة التي خططها الله ورسمها لهم. وقريبًا سنفرح برؤية إسرائيل، في ملء البركة، من خلال هذا العهد الجديد.

ماذا عن الكنيسة؟!

ولكن ماذا عنا؛ معشر كنيسة الله؟ هل نحن تحت عَهْد؟ كلا البتة! إن العهود تخص إسرائيل. وباعتبارنا أممًا، كنا ”غُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ“ (أف٢: ١٢). وبينما كان لإسرائيل رجاء لسبب العهود، لم يكن لنا رجاء. هكذا كانت حالتنا مزرية ومهينة.

وحقيقة كوننا بلا عَهْد نركن إليه، بأي شكل من الأشكال، إنما من شأنه أن يُعظم الحقيقة التالية، أعني: أن خلاصنا إنما هو على أساس النعمة المطلقة. تمامًا كما لم يكن لراعوث أي حق لدى إسرائيل لكونها موآبية، إلا أنها بالنعمة صارت زوجة لبُوعَز (را٤: ٩، ١٠).

وهكذا الحال معنا اليوم. لقد أتينا إلى نعمة صافية، بالانفصال عن أية عُهُود من جانبنا.

ولكن، مع ذلك، صرنا شركاء في كل بركات العهد الجديد، قبل أن يقبل إسرائيل أيًا منها تحت هذا العهد. بل إننا في الحقيقة تمتعنا ببركات تفوق وتتخطى بركات العهد الجديد. لأننا بوركنا «بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف ١: ٣). هذه هي نعمة الله الصافية، إن بركات إسرائيل هي أرضية، وأما بركاتنا فهي أسمى وأرقى وأثمن. وتلك ليست موعودة مستقبلاً، بل هي لنا الآن في المسيح. أما في المستقبل فإن الرب سيأخذ الكنيسة إليه عروسًا بدون عَهْد. ليس لنا الحق في ذلك، ولكننا نقبل هذا الفضل من منطلق نعمة الله الغنية، رغم أننا سالفًا كنا بلا رجاء، بلا إله في العالم. يا لها من نعمة غنية! إنها تعزف على أوتار القلب، فتصدِح تسبيحًا وحمدًا أبديًا، لإله المجد المبارك، كما استعلن في ابنه الحبيب.


ل.م. جرانت