لكي نُميّز بين الحق والزيف، لا بد لنا من مقياس. وقد أعطانا الله إياه في المكتوب. وعندما نقبل الوحي الإلهي (٢تي٣: ١٦؛ ٢بط١: ٢١)، يكون لنا الأسس الحاكمة للتمييز بين الصواب والخطأ، وبين الخير والشر. وإلا سنصل إلى مرجعية مؤسسة على محض آراء البشر. وقد أرسل الله أيضًا الروح القدس، ليُرشدنا إلى جميع الحق (يو١٦: ١٣)، وهو يُعلِّمنا كل شيء (١يو٢: ٢٧). علاوة على ذلك، أعطانا الله أناسًا موهوبين،
ليعيننا على بلوغ ”وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ“
(أف ٤: ١٣).
ويذخر العهد الجديد بالتحذيرات من التعليم الكاذب. وكما أن الرسول بطرس يُخبرنا أنه كان هناك ”أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ“ في أزمنة العهد القديم (٢بط٢: ١). ويخبرنا الرسول يوحنا أنه يوجد ”أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ“ في فترة الكنيسة الحاضرة (١يو٤: ١). ويُشير سفر الرؤيا إلى ”النَّبِيِّ الْكَذَّاب“ الذي سيقوم في المستقبل (رؤ١٦: ١٣). وبينما نحن نستعرض تحذيرات الرُّسُل تلك، نخلص إلى فهم بشأن طابع الأنبياء الكذَبة، وطبيعة تعليمهم. وهذا الفهم كفيل بأن يحفظنا من الخطأ.
أعمال ٢٠: ٢٨-٣٥:
في حديثه الوداعي للأساقفة في أفسس، يُحذّرهم الرسول بولس من خطرين سيوجهانهما بعد رحيله: الأول: دخول ذِئَاب خَاطِفَة لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. ثم منهم سَيَقُومُ رِجَالٌ - ليتبوأ مكان الصدارة - مُتكلِّمين بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ. وقد أُعطينا في هذه الفقرة ملامح عديدة تعيننا على تمييز مثل هؤلاء الخُدَّام الأشرار:
- إنهم يأتون من داخل، كما يأتون من خارج.
- إنهم يأتون متخفين كذِئَاب خَاطِفَة في ثِيَاب الْحُمْلاَنِ (مت٧: ١٥).
- إنهم يستخدمون لغة مسيحية، بغية إخفاء تعليمهم المُحرَّف.
هؤلاء الْخُدَّامُ الأشرار يُهاجمون حقائق أساسية، مثل: وحي وكفاية الكتاب المقدس، لاهوت وناسوت الرب يسوع الكاملين، وكمال عمله الكفاري، وأقنومية الروح القدس. بعض أو كل هذه التعاليم الأساسية والحقائق اليقينية، تنكرها مجموعات تتستر بعباءة المسيحية، كإفراز لنظام تعليم كاذب.
لاحظ أولئك الذين يصفهم بولس بأنهم: ”سَيَقُومُون“، أي يتخذون مكان الصدارة، ليتكلَّموا بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ. هذا الالتواء قد يكون يعني: يقلب وجه الحقيقة، أو يُسيء الفهم والتفسير، أو يُسيء التطبيق، أو يُضل.
البعض يعمدون إلى اجتذاب تلاميذ ليسيروا خلفهم. هؤلاء ليس المسيح هو مركز حياتهم. قد يبدو كلامهم جذابًا. والحقيقة أن الضلال أكثر موافقة لطبيعتنا الساقطة من الحق. حتى المسيحيون الحقيقيون قد يسقطون في فخ طلب الصدارة، إذا هم أُصيبوا بالكبرياء. وفي موضع آخر يُحذر الرسول بولس من خطر السقوط في تجربة وفخ إبليس؛ الكبرياء (١تي٣: ٦).
في الوقت الحاضر هناك حواجز تحجز الشر، رغم أن سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ (٢تس٢: ٦-١٢). هذه مجرد أعراض للمرض، تُنذر بظهوره وآثاره الخطيرة. وذروة الخطأ وعمل الشيطان سيحدث قبيل اختطاف الكنيسة، لتكون مع المسيح. ولكن إرهاصات هذا بدت بالفعل ظاهرة في عملها، سواء في الكنيسة أو في العالم.
رومية ١٦: ١٧، ١٨:
هنا يُخبرنا الرسول بولس أن نلاحظ الذين يصنعون الشِّقَاقَاتِ (الانقسامات) وَالْعَثَرَاتِ، بعكس التعليم الذي تسلموه وتعلَّموه، وننفصل عنهم. وأفعال هؤلاء مُحصاة ومعروفة. إنهم «لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ». وعلى النقيض من مجيء الرسول بولس إلى كورنثوس (١كو٢: ١-٥)، هم يأتون بأحاديث مُنمَّقة؛ ”بِكَلاَم طَّيِّب وأَقْوَالِ حَسَنَةِ، بها يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ. وهي طريقة شيطانية معروفة لخداع لغير الثابتين. ويليق بنا في هذا المقام أن نُطيع تحريض الرسول بولس: اسْهَرُوا (أع٢٠: ٣١).
ورغم أن مثل هؤلاء قد يُوجدون داخل الكنيسة، إلا أن الرسول يحضنا أن ننفصل عنهم. كيف يمكن أن نصنع ذلك بالصواب؟ الإجابة: ينبغي أن نضع قلوبنا على تعلُّم الحق، والتمييز، ولكنه يتطلب البلوغ الروحي (عب٥: ١٤). وينبغي أن يكون مقياسنا التعليم الذي تعلمناه، والذي يدعوه الرسول بولس: “تَعْلِيمِي“ (٢تي٣: ١٠).
رسالة غلاطية:
يصف بولس الغلاطيين بأنهم أغبياء ومسحورون (غل٣: ١). لقد تغيروا إلى إنجيل آخر (غل١: ٦). لقد أصغوا إلى المُضايقين الذين تاقوا إلى تحوير إنجيل الأخبار السارة (غل١: ٧). إن خليط الناموس والنعمة، والذي تحولوا إليه، غير مقبول بالكلية. وها هو الرسول بولس يُعلن لعنة على الذين ينادون به.
إن الفوارق بين الخطأ المُتمثل في الفشل في الإمساك بالحق، وبين نشاط الشيطان المباشر الذي يتمثّل في التعليم الخاطئ - تعظَّم في جو عدم وضوح الإنجيل. هذا ويظل سلطان المكتوب، والخضوع له، مع ربوبية الرب يسوع المسيح، ومعونة الروح القدس. هم الضامنون والضمان من الضلال. وإن الاعتماد على الإرشاد الداخلي، بالانفصال عن المكتوب، أو بتقديم مرجعية أخرى عليه، يفتح الباب للقوى والمشاعر والأفكار البشرية.
أفسس ٤: ١١-١٦:
لقد أعطانا الرب أناسًا موهوبين لبناء جسد المسيح. وفي هذا نوع من الدعم، يُعيننا على البلوغ إلى وحدانية الإيمان، ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح. والخطر أن نُحمل بكل ريح تعليم، بِحِيلَة وخفة النَّاسِ، والمكر بهم لجرهم إلى الضلال الملفق (مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ)، بالنظر إلى الخطأ الممنهج. فمن الناحية الواحدة هم غير ثابتين، ومن الناحية الأخرى، هناك أشخاص يجتهدون لتحوير وتحويل الحق. وفي خضم ذلك كله علينا أن نتمسك بالحق في محبة.
كولوسي ٢: ٨ -١٠:
كان الكولوسيون في خطر إضافة الفلسفة إلى إيمانهم. وها هو الرسول بولس يُذكّرهم بكفاية ما تسلموه. ففي المسيح يحل كل ملء اللاهوت، وفيه هم كاملون. كان عليهم أن يحترسوا من الزيغان.
كذلك ينبغي أن يكون تفكيرنا روحيًا (كو١: ٩)، ويكون نموّنا بمعرفة الحق الخاص بالله (كو١: ١٠)، ونتحول عن الخطاب المقنع المقدم في طيات الفلسفة والفكر الكاذب الباطل، وفقًا لتعاليم الناس، وأركان العالم. هذا هو طابع الخطر هنا.
١ تيموثاوس ٤: ١- ٨:
الارتداد؛ التخلي عن الإيمان طواعية، يصف طبيعة الخطر والعثرة في هذا الأصحاح. ”الإيمان“ هو كامل جسم التعليم الرسولي. وقد دُسَّت تعاليم مناقضة لهذا التعليم، مثل الامتناع عن الزواج، والزهد في أطعمة مُعينة بغية الظهور بمظهر قداسة خاصة. ولكن الرسول هنا يتتبع أصل هذه التعاليم فيردها إلى الشياطين.
عجبي! كيف نسلم أذهاننا لمثل هذه الأرواح الخادعة؟ الإجابة: نحن نفعل ذلك عندما نفرغ أذهاننا بتخلينا عن الإيمان. المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يفعل ذلك. بل بالأحرى علينا أن نجعل أذهاننا على الأشياء التي هي فوق (كو ٣: ١)، نجدد أذهاننا (رو ١٢: ٢؛ أف ٤: ٢٣)، وأن ”نُمَنْطِق أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ“ (١بط١: ١٣).
٢ تيموثاوس ٣: ١٠-١٧:
الموارد التي يوجه الرسول بولس تيموثاوس إليها، في هذه الفقرة هي طابع الحياة والتعليم، أي الأمور التي تعلَّمها من أهل بيته، ومن بولس نفسه، فضلاً عن المكتوب. وقد أعطيت هذه الأمور لدرء الأخطار المذكور في الأعداد ١-٩: الدنس، صورة التقوى الخارجية، نقص المحبة التي بحسب الطبيعة، ومحبة اللذات دون محبة الله. وكما هو الحال في رسالة رومية، علينا أن نرفض ونترك كل هذه الأمور.
١ يوحنا:
يستعمل الرسول يوحنا كلمة ”الحق“ سبع عشرة مرة في رسائله الثلاث. وهو يُطبقه على سلوكنا العملي (١يو١: ٦ - ٨؛ ٢: ٤). كما يُطبقه على الحق المُعلن بخصوص الآب والابن (١يو٢: ٢١-٢٣). والتعليم الوارد في ٢ يو ٩ يرتبط بالحق الخاص بالآب والابن. المهرطقون عادة ينكرون طبيعة حق الله المُعلن، والمساواة التامة بين الآب والابن والروح القدس.
تلخيص:
التعليم الكاذب دائمًا ينطوي على الخطأ الإرادي في طابعه. وإذا لم يكن دائمًا بفعل الشيطان مباشرة ، إلا أنه دائمًا ما يستخدمه لأغراضه، لأنه ضد المسيح (مت ٤: ١-١١). وضد الكنيسة (مت١٦: ١٨). وحتى المسيحيون الحقيقيون قد يسقطون وينضمون تحت راية النُظم التعليمية الكاذبة. كما قد نخطئ عندما لا نجتهد للأخذ بأسباب النمو، وتحصيل التعاليم التي بدونها نقصر عن تحقيق غرض الله في حياتنا. إنه الوقت للأخذ بتحريض يهوذا: «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ» (يه٢٠).
ألبرت ويست