«تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو» (مت ٦: ٢٨).
في خدمته، كان الرب يسوع كثيرًا ما يستخدم شروحًا من العالم المحيط. كان يستعمل أغراضًا ومناظر مألوفة لدى سامعيه. وكان يستقي الدروس منها. وإذا اقترنت هذه المناظر مع سلطانه الشخصي، فبالتأكيد ستظل تعاليمه ماثلة في الذاكرة.
تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ:
ألم يحدث أن تمنيت لو كنت تعيش عندما كان الرب يسوع هنا على الأرض؟ قد تفكر: ”آه لو كان ههنا اليوم، إذًا لكنت أستطيع أن أجلس مع الجمع لأصغي إلى تعاليمه الرائعة!“ وإن كان ذلك مستحيلاً، إلا أن كثيرًا من الأغراض والمواقف، والتي تناولها في تعاليمه“ ما زالت قائمة اليوم. ويقينًا سنفيد كثيرًا إذا قضينا وقتًا كافيًا لنعتبرها. ورغم أن زَنَابِقَ الْحَقْلِ التي كان ربنا يشير إليها، يندر وجودها اليوم ... إلا أننا جميعًا نألف زهور الحقول في مناطق كثيرة. ربما تكون قد رأيت حقلاً من الخشخاش البري - مثلاً - تتمايل برقة مع نسمات الهواء. هذه الزهور تبدو جميلة ورائعة. إلا أنها، في ذات الوقت، بسيطة للغاية. ودورة حياتها مرهونة بنموها. فأولاً يبزغ غصن ثم يظهر برعم لا يلبث أن يتفتح إلى زهرة تامة جميلة.
وَاحِدَةٌ مِنْهَا:
الزهور لها مجدها الخاص. قال الرب يسوع، مشيرًا إلى روعتها: «زَنَابِقَ الْحَقْلِ ... وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا» (مت٦: ٢٩). كان سليمان، بلا جدال، أعظم ملوك إسرائيل. لقد فاق كل الملوك الآخرين ثراء وحكمة (١مل١٠: ٢٣). كان مُلْكُهُ يتوهج بالمجد، «وَلكِنْ» (مت ٦: ٢٩) - قال الرب يسوع - إن سليمان مع كل أبهته - لم يكن يَلْبَسُ كواحدة من هذه الزهور البرية.
لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ:
واضح أن هناك أنواعًا مختلفة من المجد. فمجد سليمان كان طاغيًا، فهؤلاء الذين زاروه - ومنهم ملك سبأ - أُخذوا بما رأوا. كيف، والحال هكذا، تفوق زنبقة واحدة، سليمان في كل مجده؟ الإجابة تجدها في هذه الكلمات: «لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ»؛ فثياب سليمان الملكية تطلبت قدرًا كبيرًا من التعب والغزل والتطريز، ومهارة بالغة .. وكل هذا يستغرق وقتًا، أما زَنَابِقُ الْحَقْل، فجمالها من الطبيعة، دون تَعب أو غَزل. ونموها هو بلا مجهود، وجمالها ينبع من الداخل.
السِّرُ:
هذا هو السر ببساطة: إن مجد حيواتنا لا يعتمد على سعينا ومجهودنا. إن الله يريد أن يتوّلى الروح القدس أمرنا، عاملاً في هدوء بداخلنا، ليولد لنا نموًا، وينتج فينا ثمره، ثمرًا متميزًا. هذا هو الطريق اليقين لنجلب المجد لخالقنا، والبركة للمحيطين بنا.