إذا كان الكتاب المقدس قد كُتِب بأكمله لنا، إلا أنه لم يُكتَب كله عنا. وهكذا يُمكننا أن نفيد ونتعلَّم من دراسته كله، إلا أن أكثر من ثلاثة أرباعه معني بأمة إسرائيل. وفي دراستنا للأمثال سنجني فائدة جزيلة منها جميعًا. إلا أنه ينبغي أن نعي الاختلافات في التطبيق والمعنى والتفسير بينها.
والمبدأ العام للتفسير الصحيح للكتاب هو أن العهد القديم مشروح في العهد الجديد. وهكذا فإن أمثال العهد القديم، كثيرًا ما نجد تفسيرها في رسائل العهد الجديد.
الرب يسوع علَّم بأمثال: لماذا؟
لم يبتكر يسوع طريقة التعليم والوعظ بأمثال. فالعهد القديم مكتظ بكثير من الأمثال، وأحيانًا قصصًا خيالية. مثلاً في الأصحاح التاسع من سفر القضاة، أخبرنا يُوثَام عن قصة خيالية تتضمن محادثة بين عدة أشجار، شجيرات وعليقات. وبالمثل فإن الرسول بولس، في غلاطية ٤: ٢١-٣١، عقد مشابهة، مُستخدمًا شكلاً آخر من الكلام التصويري، ليشرح عهد العبودية في القديم، تحت الناموس (مرموزًا له بإسماعيل)، مع عهد النعمة والحرية الجديد في المسيح (مرموزًا له بإسحاق).
وحتى يومنا هذا، فإن الشعوب السامية في الشرق الأوسط، مثل العرب، والعبرانيين، والسوريان - ينجذبون إلى أسلوب التعليم بأمثال. فهو يشعل تصوراتهم وعواطفهم، بغض النظر عن التفكير المنطقي.
إذًا، فالأمثال معنية، في المقام الأول، بجذب انتباه السامعين، ومن ثم تعليمهم الحق. فهي توقظ التفكير وتثير التقدير. إنها تضرم الضمير الكامن، وتشعل المشاعر والعواطف. لنذكر أن الذين استمعوا إلى تعليم الرب يسوع الرمزي، قالوا: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ» (يو ٧: ٤٦).
ويمكننا القول إن الرب يسوع استخدم الأمثال ليُخفي الحق عن أولئك غير المعنيين والعصاة والمتمردين بإرادتهم، ويهب المزيد من الحق لمن يمتلك الرغبة والشغف بالحق. لقد قصد بالفعل أن ينزع الحق عن أولئك الذين لا يضمرون تقديرًا له. ولعل هذا يفسر لماذا قال ذات مرة: «لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ» (مت ٧: ٦). لقد تكلَّم الرب يسوع بأمثال، ليكشف النقاب عن الحق، ولتتميم النبوات.
تفسير الأمثال بالاستقامة:
الاقتباس التالي هو عن كتاب: ”دراسة في الأمثال“ للكاتب ”أ. هيبرسون“، وهو مفيد جدًا في هذا الصدد: ”ليس ثمة تفسير واحد سيستنفد معنى أبسط مَثَل من الأمثال التي تكلَّم بها ربنا يسوع. فإذا أدركنا ذلك فإننا نكون جاهزين لنجني منها خيرًا جزيلاً على كل وجه“.
السبيل الأكثر أمانًا في تفسير مَثَل ما، هو البحث عن الفكر الرئيسي، أو الفكرة المحورية، التي تنضوي تحتها أجزاء المثل. علينا أن ندرس القرينة، وارتباط المَثَل بالسباق. كما ينبغي مراعاة الظروف والملابسات التي اكتنفت، أو أحاطت، بإعطاء المَثَل. عليذنا أن نسأل: ”ما الذي يسبق المَثَل، وما الذي يتبع؟ وما هو الدرس البارز الذي قصده صاحب المَثَل؟“.
واحد من أكثر الأمثال ذيوعًا في العهد الجديد هو مَثَل، أعطاه، وشرحه الرب يسوع نفسه؛ أعني: مثل الزارع. وأنا أؤمن أن هذا المَثَل يملك مفتاح كشف معاني بقية الأمثال. لأنه بعد أن أعطاه، سأل الرب يسوع تلاميذه: «أَمَا تَعْلَمُونَ هذَا الْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ الأَمْثَالِ؟» (مر٤: ١٣).
لا شك أن هذا المَثَل يُشير إلى الرب يسوع كالزارع عندما كان معهم على الأرض. ولكن أيضًا ينطبق على فترة غيابه عنهم، بصعوده إلى السماء، تاركًا تلاميذه تحت مسؤولية إتمام عمله كالزارع. وفي وقتنا الحاضر فإن مثل هؤلاء التلاميذ: هم جسد المسيح، أنت وأنا، باعتبارنا تحت مسؤولية زراعة بذار الكلمة الجياد؛ بالتبشير والكرازة. وفي يوم قادم سيكون تلاميذ الرب هم البقية الأمينة التقية من أُمَّة إسرائيل.
وهكذا، فإن للأمثال أكثر من تفسير مُحتمل، بحسب ملابسات المَثَل. لذلك دعونا نتزن في تناولنا للأمثال. فإن ترى فقط التفسير الأدبي العملي، فهذا تفسير أحادي. ومن الناحية الأخرى، أن ترى فقط التفسير النبوي التدبيري، فهذا أيضًا تفسير منقوص كذلك.
إساءة استخدام الأمثال:
الكثير من التشويش اكتنف استخدام الأمثال، مدفوعًا بسطحية أولئك الناس الذين يلوون ويوجهون المعنى إلى معنى مغاير تمامًا عن المعنى المقصود بحسب قائل المثل. كثيرون من الشرَّاح ومُعلمي الكلمة، مُجرَّبون بسهولة لكي يروا معنى كامنًا وراء كل قسم، وكل كلمة، وكل فاصلة، وكل فاصلة منقوطة في المَثَل. ولتجنب مثل هذا التشويش أقترح مبدأين لإرشادنا: الأول، لا تعوّل كثيرًا على أقوالهم؛ ليس أكثر من المعنى الذي يقصده القائل. والثاني، لا تُقلِّل كثيرًا من شأن تعاليمهم؛ لا تفريط ولا إفراط.
احذر من روّحنة الأمور، الأمور التي ينبغي أن تؤخذ حرفيًا أو نبويًا، فلتؤخذ كذلك. ومع ذلك لا تخف أن تدرس الأمثال دون أن تضع في بالك أن ثمة أكثر من معنى لكل مَثَل. ولا تنحاز إلى هذا الجانب أو ذاك لأن كثيرين طرحوا هذا التفسير، والذي قد لا يخدم سوى طريقتهم الخاصة في التعليم. فالأمثال غنية جدًا بالمعاني، وذاخرة بالتعليم، حتى أنه لا يمكن قصر التفسير على معنى واحد. لا أحد بإمكانه الادعاء أن تفسيره هو التفسير الصحيح الوحيد. فمَثَل ما، قد يمكن أن يطبق على الحاضر، أو الماضي، أو المستقبل.
جمال التنوع:
يصف مزمور ١١٩ الأوجه والجوانب المختلفة لكلمة الله. وبتطبيق هذا الوصف على الأمثال، نخلص إلى أنها تشبه المنشور الذي يحلل الضوء إلى ألوان جميلة مختلفة. فمَثَل واحد قد يكون له غرض مزدوج قصدهما المؤلف. قد يفيدنا بدرس روحي، وتعليم نبوي في أن أدرس، على سبيل المثال مثل قاضي الظلم (لو١٨).
وعبر أسفار الكتاب المقدس، استخدم الكتبة أشكالاً عديدة من صور الكلام للتعبير عن الحقائق الكتابية. وأليس هذا مثالاً لما يدعوه بولس: «حِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ» (أف٣: ١٠)؟ فالكتاب هو الأعجب والمتفرد في بابه، لأنه يحوي أنفاس الله، وحذار أن يتجاسر أحد ويقارن أي عمل أدبي أو تاريخي به.
إن الأمثال هي عبارة عن شرح سام، وإعلان، يكشف ويعلن عن وجود وطبيعة الله. وهي بمثابة إعلان كيف أنه تنازل إلى مستوى البشر، مستخدمًا أدوات مألوفة لدى الإنسان المحدود، ليُخبرنا بمكنونات قلبه.
قال ”لوكير“: «المعجزات هي أمثال في هيئة أفعال. بينما الأمثال هي معجزات في هيئة أقوال“. دعونا إذًا، ندرس الأمثال بجدية وشغف، بروح الصلاة.
كور براينز