في حياة مريم المجدلية نرى النموذج المشرف لحياة النمو الروحي، فالبداية كانت أثناء جولات الرب التبشيرية في الجليل، عندما أخرج منها سبعة شياطين. ومن تلك اللحظة لازمته وتبعته ولم تفارقه، بل وأيضًا كانت تخدمه من مالها الخاص (لو٨: ١ـ ٣).
وعند الصليب نراها ضمن الواقفات هناك (يو ١٩: ٢٥). وفي أول الأسبوع، يوم قيامة الرب، تغلبت مشاعرها الجياشة تجاه الرب، على كل الظروف التي حولها، فذهبت إلى القبر والظلام باق، وعندما رأت الحجر مرفوعًا عن القبر ذهبت راكضةً إلى بطرس ويوحنا وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ! فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا» (يو ٢٠: ١-٣)، وعندما رأيا القبر الفارغ، آمنا، لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أن الرب ينبغي أن يقوم من الأموات، وعند هذه النقطة نراهما يذهبان إلى موضعهما أي إلى البيت، فهما يمثلان حالة مؤمن أدرك عمل المسيح وموته وقيامته، لكن غلبت على اهتماماته المصالح الأخرى. أما في حالة مريم فنرى المؤمن البسيط في الإدراك والمعرفة الكتابية الضئيلة، لكنها ظلت واقفة عند القبر تبكي، باحثة عن الرب. والرب يُقَدِّر تلك المشاعر، وهكذا أكرمها الرب؛ فنالت شرف أن تكون أول مَن يظهر لها الرب (مر ١٦: ٩)، لتنال منه أسمى الإعلانات، أنه لا بد أن يصعد إلى أبيه، وأن حضوره لن يكون يهوديًا كالمسيا بينهم بالجسد، وأن التلاميذ صاروا إخوته، ولهم ذات المكانة والنسبة التي له عند إلهه وأبيه. وهكذا انفتح أمامها كل مجد الإنسان الجديد، بفضل موت الرب وقيامته (يو ٢٠: ١٦-١٨). وهذا التعليم الذي كشفه الرب لها، هو محور تعليم رسالة أفسس، رسالة السماويات «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف ١: ٣).
لقد شعرت مريم بجميل الرب عليها عندما حررها من قيود الشياطين السبعة، فلازمته حتى الصليب، لم تكن تدرك بعد تعليم القيامة، لكنها بحثت عن المقام من الأموات، ونالت تعليم السماويات.