بهذا السؤال يواصل الرب حديثه مع قايين، وفيه يتناول الرب سبب رفضه لقربانه، وذلك بالرغم من عدم تجاوب قايين مع الرب في سؤاليه السابقين له، واللذين فيهما تناول الرب نتيجة رفضه لقربانه، من غيظ قايين وسقوط وجهه.
وكأن الرب في هذا السؤال يريد أن يقول له: ”لو كنت قد أتيت إلىَّ بصورة صحيحة حسنة، وذلك بتقديم قربانًا حسنًا، أفلا كنت أقبل هذا القربان، فكان رَفْعٌ لوجهك أمامى؟“.
أ ليس في مواصلة الرب الحديث مع قايين نعمة ورحمة؟ فقد كان ممكنًا أن الرب يرفضه نهائيًا وينطق بكلمات الحكم العادل ضده بل ويوقع القضاء عليه، لا سيما أن الرب قد أتاح له فرصة لم يغتنمها، وعامله بنعمته، ولكنه ازدرى بها «فكم عقَابا أشرَّ تظنون أنه يُحسب مستحقًا من ... ازدرى بروح النعمة» (عب10: 29).
ونرى أن الرب أراد بسؤاله هذا لقايين ما يلي :
1. أن يوقظ ضميره، إذ عرَّفه سبب رفضه لقربانه.
2. أن يظهر له نعمته ومحبته، بل أنه يوجد له رجاء، رغم عدم تجاوبه مع الرب.
3. أن يمد له يد المصالحة رغم أن قايين هو الذي خاصمه.
4. أن يقوده بطريقة واضحة وصريحة لتصحيح خطأه ومعالجة حالته.
وفي كل هذا نرى قلب الرب المحب، إذ بكلمات قليلة يعبر فيها عن غِناه في الرحمة (أف2: 4)، وقد أراد أن يُطِّيب قلبه ويُهَدِّئ من غيظه، ليرجعه إليه؛ ولكنه على ما يبدو لم يدرك لماذا تحدث الرب معه؟ فلم يبالِ بكلماته، وكان يجب عليه أن يطلب من الرب قائلاً: ”يا رب عرِّفني ما هو الحسن، فلقد ظننت أنه باقترابي إليك وتقديم أفضل ما عندي، من تعب يدىَّ، أنه هو الأحسن، لكن افتح عينىَّ لأدرك ماذا تطلب“.
لكن وا أسفاه على شخص هذا حاله، إذ كان قلبه مُفعَمًا بالغيظ من الرب، والبُغْضَة لأخيه، وفي هذا أيضًا لم يدرك قايين ما هو الخير لنفسه وبركته الأبدية.
وبالرغم من أن قايين قد استمر في عناده وقساوة قلبه، ولم يُعطِ الرب آذانًا صاغية، ولم يطلب منه الإرشاد والعون، ومع ذلك يواصل الرب حديثه معه، مرشدًا إياه لما يجب أن يعمله ليصحح خطأه، ليكون في علاقة وشركة معه، فيرشده الرب إلى ذبيحة خطية بالقول: «وإن لم تحسن فعند الباب خطيَّة (أى ذبيحة خطية) رابضة» (تك4: 7)، أى أنه إن كنت لم تحسن في طريق الإقتراب إلىَّ - وهذا حقيقي- فأنا أرشدك إلى الحل، فعند الباب (أى أنه قريب منك جدًا) ذبيحة خطية، وهذا كل ما أطلبه منك، وأيضًا لا تحتار أو تتلفت حولك لأنها ها هي رابضة (أي أنها مستسلمة)، فهي معدة وجاهزة للذبح، وليس مطلوبًا منك إلا أن تتجاوب معي، فإن تناولتها بيد الإيمان، وقدمتها لي، لانتهت مشكلتك بِرُمَتهَا، وها أنا مستعد لقبول هذه الذبيحة، فبذلك تتبرر أمامي، وأيضًا بإيمانك هذا سأشهد لك بأنك بار، كما شهدت لهابيل وقرابينه (عب11: 4). هيا الآن فقد أصبح حل هذه المشكلة بين يديك، فإن كنت قد اقتنعت بقولي، وآمنت بهذه الذبيحة الدموية، يكون رَفْعٌ لوجهك، «إن أعددت أنت قَلبك وبسطت إلَيه يديك، إن أبعدت الإثم الذي في يدك، ولا يسكن الظلم في خيمتك، حينئذ ترفع وجهك بلا عيب، وتكون ثابتًا ولا تخاف» (أي11: 13-15).
لكن ماذا كان قلب قايين؟ لقد مضى في طريق العناد واللا مبالاة، رغم نداء الرب له، ومعدات النعمة التي أعدها له الرب، بتهيئة الذبيحة وإرشاده لها وأيضًا بإعلانه باستعداده لقبولها، وذلك إن أحسن وتقدم بها للرب، لكنه بكل أسف ارتد على عقبه، وصم أُذنيه عن سماع صوت الرب، وانطبق عليه قول إرميا النبي: «فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير، وأعطوا القفا لا الوجه» (إر7: 24)، وبهذا أضاع قايين على نفسه فرصة الخلاص وإلى الأبد، إذ لم يكن مستعدًا أن يدين نفسه ويتوب، بل قد احتوته لا أفكار التوبة بل أفكار العناد والشر والانتقام، وقد «دخله الشيطان» (يو13: 27)، واقتنصه لإرادته (2تي2: 26)، وصار قايين مهيأ لأن يعمل فيه وبه «رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية» (أف 2: 2)، ولم يُرفع وجهه فيما بعد، لأن «رفع وجه الشرير ليس حسنًا» (أم 18: 5).
عزيزي القارئ ... إذا كان هذا هو حال قايين، لكن ماذا عنك أنت؟ إن كنت تقترب إلى الرب بطريقتك الخاصة طريق الأعمال، فتأكد أنه لن يُرفع وجهك نهائيًا، لأنك لم تُحسن، وإن كنت لم تحسن فنوجه نظرك إلى شخص ربنا يسوع المسيح، الذي مات لأجلك على الصليب، إذ قد رضىَ الله عنه تمامًا، وعن عمله الكفاري على الصليب، وأنت أيضًا ستنال الرضى الإلهي إذا تقدمت به إلى الله، وحينئذ يُرفع وجهك وتُقبل قَبولاً أبديًا، فهل تُحسن الاختيار؟
والآن اسمع ماذا يقول الكتاب: «اقبل الشريعة من فيه، وضع كلامه في قلبك، إن رجعت إلى القدير تُبنى، إن أبعدت ظلمًا عن خيمتك، والقيت التبر على التراب، وذهب أوفير بين حصا الأودية، يكون القدير تبرك وفضة أتعاب لك، لأنك حينئذ تتلذذ بالقدير وترفع إلى الله وجهك» (أي 22: 22-26).