أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2024
دروس من هُوشَع وجُومَر
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الحب الذي لا يفتًر!

(هو١-٣)

الله يدين العلاقات خارج إطار الزواج:

بعد أن تركت وراءها زوجًا متألمًا كسير القلب، وأطفالًا حزانى باكين، عادت جُومَر امرأة هوشع، إلى أسلوب حياتها اللاأخلاقي. ولا بد أن بعض أصحابها القدامى قد هنأوها على جسارتها بالتمرد على هذا النظام القديم، أي علاقة زواج تقليدية أحادية. وفي غمرة أنانيتها، نسيت جُومَر أنها كانت عضوًا في عائلة، وضع الله لها رسمًا وتصميمًا وخططًا خاصة. كيف ينظر الله إلى أولئك الذين يتجاهلون عهود زواجهم، ويسعون وراء مغامرات أكثر إثارة؟ ردًا على اختيار جُومَر، قال الرب: «لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ ... لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ (طَرِيقَها) بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا. فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ» (هو٢: ٥-٧). لا يُمكننا أن نتوقع يد الله بالبركة على طريق العصيان والتمرد. ولكن داخل إطار الزواج، يُبارك الله العلاقة الجنسية، ولكنه يدينها بشدة خارج هذا الإطار؛ إطار الزواج.

في الوصايا العشر، يدين الله مرتين الزنا، والخيانة الزوجية «لاَ تَزْنِ ... لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ» (خر٢٠: ١٤، ١٧). وتحت الناموس، كانت الخيانة الزوجية جريمة خطيرة: «إِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ» (لا٢٠: ١٠)، أو ”إِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ، فَالزَّانِي وَالزَّانِيَةُ يُقْتَلاَنِ“ (لا٢٠: ١٠ – ترجمة الحياة). فلا غرابة إذًا أن نجد الرب يُعوّق طريق جُومَر. كانت تتوقع أن تجد السعادة مع مُحبيها، لكن سرعان ما تحول فرحها إلى إحباط وخيبة أمل. فاحتارت وتشوشت، ولم تعد تجد طريقها، فهكذا قال الرب: «هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا» (هو٢: ٦). لقد أطفأ الرب جاذبيتها الجنسية، فزهد منها مُحبوها، ولم يعودوا يهتمون بها «فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ» (هو٢: ٧)، بل صاروا ينظرون إليها كامرأة نجسة فاسقة «وَالآنَ أَكْشِفُ عَوْرَتَهَا أَمَامَ عُيُونِ مُحِبِّيهَا» (هو٢: ١٠). وأبْطَلَ الرب كل احتفالاتها «أُبَطِّلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا: أَعْيَادَهَا وَرُؤُوسَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَجَمِيعَ مَوَاسِمِهَا» (هو٢: ١١)، وأفقرها وأعوزها إلى القوت والمال «وَأُخَرِّبُ كَرْمَهَا وَتِينَهَا اللَّذَيْنِ قَالَتْ: هُمَا أُجْرَتِي الَّتِي أَعْطَانِيهَا مُحِبِّيَّ، وَأَجْعَلُهُمَا وَعْرًا فَيَأْكُلُهُمَا حَيَوَانُ الْبَرِّيَّةِ» (هو٢: ١٢). وأعلن الرب: «وَأُعَاقِبُهَا عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ بِخَزَائِمِهَا وَحُلِيهَا وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا وَتَنْسَانِي أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ» (هو٢: ١٣). هل كان الله قاسيًا؟ حاشا! لقد قادها إلى الاعتراف والرجوع، وإلى النقطة التي قالت فيها: «أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ» (هو٢: ٧).

هل شريكك على وشك أن يتركك؟ صلِّ من أجل معجزة! فالروح القدس لا يزال نشطًا. والرب يستطيع أن يعمل في قلب شريكك، كما يقدر أن يوجِّه الظروف المُحيطة.

إننا نعيش في عالم خاطئ فاجر. ولأن الخيانة الزوجية لم تعد محل استهجان المجتمع، هكذا تتحطم العديد من الزيجات، بسبب السعي وراء بديل جديد. هل يمكن أن يحدث معك شيء من ذلك؟ بعد أن حذَّر الرب يسوع من مقاربة الزنى، أضاف: «إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ ... وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ» (مت٥، ٢٩، ٣٠). والرسالة واضحة: إذا أردت بركة الرب على زواجك، عليك أن تتحفظ بشأن ما تنظر إليه، أو تمسه. نعم! إن الرب يحضنا، ويتوقع منا أن ”نقطع“ كل ما يُعثرنا.

لقد أقرت جُومَر أنها قاست كفاية، من ثم شرعت في طريق العودة إلى بيتها.

قرار الغفران:

ماذا يجب أن يفعل هوشع نحو زوجة مثل جُومَر؟ هل ”يغفر وينسى“ ببساطة، لكي تستمر الحياة؟ ربما يكون ذلك ممكنًا إزاء عثرة بسيطة. ولكن ماذا إزاء الخيانة الزوجية والزنا؟ هل ينبغي أن ينتظر حتى تعترف جُومَر بخطيتها، وتطلب العودة، وتلتمس القبول؟ هل ينبغي أن تُترك جُومَر لتُقاسي قبل أن يُقدَّم لها الغفران؟ إن التعليمات الإلهية واضحة: «فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا» (كو٣: ١٢، ١٣). أَليس هذا بسيطًا جدًا؟

ولكن يا للعجب! إن موضوع الغفران بين معشر المؤمنين يُولِّد مشاعر مُضادة وسلبية ومُحبطة! لعل مرد ذلك - جزئيًا - الجهل بالاختلاف بين الغفران وبين الاسترداد وردّ النفس.

الغفران قرار:

الغفران عمل من أعمال النعمة. ولا يُمكننا أن نكتسبه. كما لا يُمكن أن يُبنى على استحقاق. ينبغي أن نُقدِّم الغفران، وأن نتلقاه، كهبة مجانية من الله. وأحيانًا، حتى بعد أن ننعم بالغفران، قد نظل لفترة، تُحاصرنا تبعات خطيتنا. فبعد الغفران قد يكون التعويض لا يزال ضروريًا.

فبرغم أن الغفران هو جزء أساسي من التعاليم المسيحية، فإنه لا يلغي بالضرورة الحاجة إلى التصحيح أو التعويض عن الأذى الذي قد يكون وقع. يمكن أن تكون المغفرة خطوة روحية، لكن إذا كان هناك ضرر مادي أو معنوي، قد يكون من الضروري تقديم نوع من التعويض أو الإصلاح. في بعض الحالات، يتطلب العدل والإنصاف إعادة الأمور إلى نصابها أو إصلاح ما يمكن إصلاحه بعد الضرر. وهذا يتماشى مع المبادئ الأخلاقية في الكتاب المقدس التي تؤكِّد على تحقيق العدالة، بالإضافة إلى الرحمة. في العهد القديم، كان هناك مفهوم واضح عن التعويض بعد ارتكاب خطأ، مثل إعادة ما سُلب أو دفع تعويضات. وفي العهد الجديد، نرى مثالاً على ذلك في قصة زَكَا رئيس العشارين (لو١٩: ١-١٠)، حيث أعلن عن استعداده لتعويض مَن ظلمهم، بمضاعفة ما أخذ منهم.

إذًا، الغفران هو عنصر أساسي من الإيمان، لكن التصحيح أو التعويض بعد الغفران قد يكون ضروريًا لإعادة العلاقة إلى وضعها الصحيح.

الاسترداد (ردّ النفس) سلسلة من التصرفات:

إذا تمت الإساءة إلينا، فإن الغفران يعتمد على رغبتنا في إطاعة الرب. ولكن الاسترداد (ردّ النفس)، يتطلب تعاونًا بنَّاءً بين الطرف المُتضرِّر، والطرف المُذنِب. الاسترداد الكامل يتطلب توبةً واعترافًا، وحيثما أمكن: تعويضًا. وفي غضون أيام، قد يُعين الرب الطرف المتضرر المُخطَأ في حقه، أن يغفر للخائن. ولكن استرداد الثقة، بما يكفي لاستئناف علاقة زواج سعيدة، قد يستغرق شهورًا، أو حتى سنوات. الأمر يتوقف على كلا الطرفين.

الغفران يتطلب الطاعة:

إذا ساورك شك بشأن لزوم الغفران، فاذكر كلمات ربنا يسوع القوية: «فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ» (مت٦: ١٤، ١٥). ذهب المفسرون في شرح هذه الآية مذاهب عدة، ولكنّ المعنى الأساسي واضح بلا جدال: إن الآب يُريدك، ويُريدني، أن نغفر، وليس ثمة استثناءات. فإذا اخترنا ألا نفعل، فالمصاب جلل.

وذات يوم، سمع هوشع أن زوجته المُنحلة، قد عادت. قد يكون شعر بالرغبة في البكاء، أو الصراخ، أو حتى الهروب. هل استجوبها لتُقرّ بتفاصيل فعلتها الشنعاء؟ هل أحرجها أمام أطفالها؟ لم يفعل هوشع ما كانت طبيعته الساقطة تدفعه لفعله. فلم تجد جُومَر الرفض الذي كانت تستحقه. لقد عمل شيئًا مؤلمًا للطبيعة البشرية؛ عمل شيئًا رأى الله يفعله: اختار أن يغفر. وإذ استبعد شهوة الانتقام الطبيعية، وضع هوشع خطة للأيام المقبلة: «لكِنْ هأَنَذَا أَتَمَلَّقُهَا (أتودد لها) وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَأُلاَطِفُهَا» (هو٢: ١٤). وعندما غفر هوشع، تحرَّر من المرارة؛ تحرَّر بما فيه الكفاية ليأخذ المبادرة، ويمد يده إلى زوجته الهاربة الضالة، ويبدأ عملية المصالحة. نعم، لا يمكن أن يبدأ الاسترداد بدون غفران.

خطوات نحو الاسترداد:

بعض دارسي الكتاب المقدس يرون أن عقدًا، أو عقدين، من الزمن، تفصل ما بين الأصحاحين الأول والثاني. لأن أولاده كانوا كبارًا بما يكفي ليطلب هوشع أن يتعاونوا معه لتجنب الإجراءات القانونية، والطلاق المُحتَمل: «حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِكَيْ تَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا» (هو٢: ٢). هل كان هوشع يفكر في الطلاق؟ عندما سُئل الرب يسوع عن هذه المسألة الصعبة، أجاب: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا» (مت١٩: ٨)، «فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. لأَنَّهُ (الله) يَكْرَهُ الطَّلاَقَ» (ملا٢: ١٥، ١٦)، لكنه يعرف جيدًا عناد طبيعتنا الساقطة. إنه يعرف إلى أي حد من الفوضى في الحياة، يُمكن أن ننزلق، مما يجعل المصالحة مستحيلة. وإدراكًا من الرب بحالتنا الإنسانية، أضاف الرب يسوع بند الاستثناء: «إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي» (مت١٩: ٩). وهكذا نرى أنه بموجب هذه الشروط، كان لهوشع الحق الشرعي أن يُطلّق جُومَر.

كان هوشع مُدركًا لحقوقه القانونية، ولكنه اختار أن يستمر في الحرب من أجل زوجته. فلأنه أحب، طرح جانبًا السُبُل القانونية، واختار هوشع أن يتمثّل بالرب؛ اختار أن يُحب، وأن يتحمل الألم، وأن يأخذ زمام المبادرة، ويسعى وراء الخاطئة المتقلبة. ولكون الأولاد لهم مكانة خاصة في قلوب والديهم، لذلك يطلب هوشع من أولاده، الدعم والمُعاونة لإنقاذ زواجه من أمهم. وهذه خطة تستحق الاعتبار والاتباع.

ثم شرع هوشع في التودد إليها، وجذبها بسحره؛ ”يَتَمَلَّقُهَا“. كان سيقودها برفق ”إِلَى الْبَرِّيَّةِ“، بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية المعتادة، بعيدًا عن الآذان المتنصتة، والأعين المُتلصصة. وهي دعوة تستحق الملاحظة والانتباه! وهناك، في الْبَرِّيَّةِ، كان ”سيُلاَطِفُهَا“، أي يُخاطب قلبها «لكِنْ هأَنَذَا أَتَمَلَّقُهَا وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَأُلاَطِفُهَا» (هو٢: ١٤). كم يختلف هذا المُناخ عن أجواء الإجراءات القانونية! ولكن هل كانت جُومَر قد تابّت بالفعل؟ أم أنها كانت قد رجعت تحت وطأة الفاقة والفقر، دون أية اعتبارات أخرى، فقالت: «أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ» (هو٢: ٧)؟ وعند هذه النقطة، ينبغي أن نكون حذرين، فقد قد نرتاب، وتكون لدينا شكوكنا، لكن الرب وحده يرى الدافع الحقيقي. لقد استجاب هوشع إلى رغبة جُومَر في هجر مُحبيها، والرجوع إلى البيت. كانت درجة الندم والتوبة التي أظهرتها كافية ليُبادر هوشع بعملية المُصالحة.

وثمة عنصر أصيل في كل توبة نصوح، وهو قطع كل العلاقات مع جميع المُحبين المعنيين. أحيانًا، قد تكون تكلفة المصالحة، تغيير الوظيفة، أو الكنيسة المحلية، أو الانتقال إلى مدينة أخرى. لأنه ما دام هناك ثمة تواصل مع أولئك المُحبين، فإن عملية الشفاء لن تنجح على الأرجح. إن علاقة الزنى يجب أن تُخضَع للموت، وعملية الندم والحزن والنواح يجب أن تُكمِل هذه الدائرة: دائرة المُصالحة. إن عملية الانفصال والانفصال يجب أن تكون حادة وحاسمة ونهائية. وأحيانًا لا بد من التحقق منها. ينبغي أن الطرف المُتضرِّر، والطرف المُذنِب التائب، على استعداد للخضوع لدرجة من المحاسبة والشفافية. فقد يكون هذا ضروريًا للسماح للثقة المهشمة أن تنمو. وفي سبيل إجراء عملية المصالحة، لم تذكر جومر حتى أسماء مُحبيها الساقطين «فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضًا بِأَسْمَائِهَا» (هو٢: ١٧).

ومُجدّدًا يأخذ هوشع المبادرة مرة أخرى: واسمعه يقول: «وَأُعْطِيهَا كُرُومَهَا مِنْ هُنَاكَ» (هو٢: ١٥)؛ هناك إذًا قدر من الثقة يكفي للتوصل إلى اتفاق مادي، وائتمانها على موارد مادية. ثم يقول هوشع: «(وَأَجْعَلُ) وَادِي عَخُورَ بَابًا لِلرَّجَاءِ» (هو٢: ١٥). الاسم ”عَخُور“ يعني ”مشكلة“ أو ”إزعاج“ أو ”كدر“. وفي هذا الوادي، تمت إدانة ”عَخَان بْن كَرْمِي“، ورُجِم حتى الموت (يش٧: ٢٦). إن الخوف من العقاب، ومن الإجراء القانوني: الطلاق، أفسح المجال للرجاء. لقد فُتِحَ باب الأمل. «وَهِيَ تُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا» (هو٢: ١٥). الآن بدأت بعض تعبيرات الفرح الطبيعية تعود إلى هذه العلاقة. لكن النعمة دائمًا، لديها العجائب، وكثيرًا ما تحمل المفاجآت. فلقد حدث ما هو أكثر: «وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ... أَنَّكِ تَدْعِينَنِي: رَجُلِي، وَلاَ تَدْعِينَنِي بَعْدُ بَعْلِي (سَيِّدي)» (هو٢: ١٦). كانت جُومَر معتادة على التعامل مع السَّادة. وحتى في علاقتها مع هوشع كانت تراه ”السَيِّد زوجها“. ولكن النعمة التي تم التعبير عنها في عملية المصالحة، اجتذبت قلب جُومر مُجدَّدًا إلى محبة هوشع.

هذه هي عظمة نعمة الله العجيبة. فعندما يضطلع الله بعملية المصالحة، يُمكن استرداد العلاقة إلى حالتها الأصلية، بل وقيادتها إلى مستوى أعلى عن ذي قبل. وكلمات هوشع الختامية لجُومَر كفيلة بأن تُسعد أي مُشير في مسألة الزواج: «وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ» (هو٢: ١٩، ٢٠).

لا شك أن تلك نهاية سعيدة جدًا لهذه القصة. أَليست كذلك! إن المصالحة الحقيقية والسعيدة، هي ما يرغب الله فيه لكل علاقة مُحطَّمة، لكن المصالحة ليست أبدًا ضمانًا ضد مشاكل وصعوبات الزواج المستقبلة.

(يتبع)

فيليب نان