سكنى الروح القدس في المؤمن ضمان لقيامته

 والآن لننظر النتائج المجيدة التي تنشأ للمؤمن «وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم». إنني لا أعتقد أن هناك شيئًا أجمل وأروع من هذا ـ أن امتلاك الروح القدس هو وعد بالقيامة ـ إن ما ميَّز الرب يسوع كإنسان، هو الذي يميز المؤمن. إن الرب يسوع كإنسان، كان ممتلئًا بالروح القدس. لقد عاش في الروح، وقد سار في الروح، وسلك بالروح. وقد قدَّم نفسه «بروح أزلي لله بلا عيب». لقد مات، ودفن، وأُحيى بالروح كما هو مكتوب «مُماتًا في الجسد ولكن مُحيىً في الروح» (1بط3: 18). إن قيامة جسده، لم تكن إلا الإجابة القوية لكل ما يميِّزه في طريقه هنا بروح القداسة حيث نقرأ أنه «تعيَّن (أو أُظهِرَ أو أُعْلِن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). وإني لا أحتاج أن أقول إنه هو نفسه كان الله، وكالله كان يستطيع أن يضع نفسه وأن يأخذها ثانيةً، وقد فعل هذا. لكن بالنظر إليه كإنسان، فقد أُخرِج من الموت بواسطة الروح القدس. هكذا أيضًا سيكون الحال مع المؤمن إذا مات. إنه ليس من المحتم أن أموت، لأني أنتظر الرب أن يأتي ويغيِّر هذا الجسد، لكن إذا كان الله في حكمته السامية، يسمح لي أن أذهب إلى القبر، فأنا سأقوم ثانيةً، لأن الروح القدس هو فيَّ الآن «إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم». إن الإحياء في الكتاب المقدس يُستخدم غالبًا بالارتباط مع الجسد وليس النفس. إنه إقامة جسد المؤمن من الموت، ومن دائرة الموت.

 أي ثمار مجيدة تفيض من موت وقيامة المسيح! لقد نزل الروح القدس، وهو يسكن في المؤمن، نعم، في أذل وأضعف مؤمن. إذا كنت تؤمن بيسوع، وبالعمل الذي قد عمله لأجلك، ليس فقط تُغفَر خطاياك، لكن أيضًا تقبل الروح القدس كختم إيمانك. كما أن الروح القدس ـ ساكنًا في جسدك، هو وعد من جانب الله، أنك إذا ذهبت إلى حيث ذهب يسوع ـ إلى القبر ـ ستقوم مثل يسوع خارج ذلك القبر. ومما هو جدير بالاعتبار، أن الروح القدس هنا يُذكر في ثلاث صور: كروح الله بالتباين مع الإنسان الطبيعي ـ الجسد الشرير، وكروح المسيح، الصفة المُميزة لحياة المسيحي التي هي تعبير عن قوته ونشاطه، وكروح الذي أقام المسيح من الأموات بالارتباط مع قيامة الجسد التي تكمل خلاصنا.

الروح القدس قوة الحياة في المؤمن

 نأتي الآن في عدد12 إلى الحق الخاص بشخصية الروح، ساكنًا فعلاً في المؤمن كقوة الحياة. في الأعداد الأحد عشر الأولى من الأصحاح رأيناه كروح الحياة والحرية بالارتباط مع المسيح. ابتداء من عدد12 نجد الروح القدس كقوة الحياة في المسيحي، وماذا نجد هناك؟ «فإذًا أيها الأخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد (فنحن لسنا مديونين بشيء للجسد)، لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون». هل نحن مديونون للروح؟ ليس كذلك. ذلك معناه أن نُدخل فكرة العبودية الشرعية، بينما الكل هنا هو جو النعمة. «لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون». هذا واحد من الإشارات الإرشادية (Finger Posts) الهامة في الكتاب المقدس والتي لها فائدة عظيمة. إنك إذا عشت في الجسد، فإن النهاية هي بحيرة النار. أما إذا سلكت في الروح فإن النهاية حياة أبدية. إن كل مبدأ للحياة يحمل ثماره الطبيعية، هذا نراه في الأصحاح السادس من رسالة غلاطية «لأن مَن يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا، ومَن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية» (غلا6: 8). لا تكن خائفًا من أن تنظر إلى فصول كتابية مثل هذه. أنت تعلم ما هي الإشارة الإرشادية. فحينما تكون في رحلة، وتأتي إلى مفترق طرق، فأنت تقابل هذه الإرشادات وتُسَر بها جدًا. إنها عبارة عن عمود خشبي قائم بذراعين أو أكثر، كل منها يشير إلى اتجاه مختلف. وعادةً الأذرع تحمل أسماء المدن التي يشير إليها كلٌ منهم. فإذا كنت في شك من جهة طريقك الذي تقصده، فستجد الإرشاد، وأعتقد أنك ستكون شاكرًا لأولئك الذين نصبوا تلك الإشارات الإرشادية. وأحد هذه الإشارات الإرشادية التي وضعها الله، نجدها في عدد13 «لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون». إنني بواسطة هذا الإرشاد أعرف إلى أين أنا ذاهب. فإذا كنت أعيش حسب الجسد، فأنا أعرف أن نهاية ذلك الطريق هي بحيرة النار. لكن إذا كنت بالروح أُميت أعمال الجسد فسأحيا. إنني لا أرفض أو أخالف الإشارات الإرشادية للكتاب المقدس، وسأُخبركم عن المزيد منها. والشخص الذي يعارضها أو يرفضها هو عادةً الشخص الذي يحتاج إليها أكثر من جميع الناس، بل هو غالبًا وبالتأكيد في الطريق الخطأ. إن الشخص الذي يخاف من فصل كتابي مثل هذا هو شخص عائش في الخطية. فبقدر ما تزداد تقوى المؤمن، بقدر ما يرحب بفصول كتابية مثل هذه، لأنها تنتشله وتجعله يقول: ”يجب عليَّ أن أهتم كيف أسلك“.

سكنى الروح القدس وقيادته دليل البنوة لله

 لكن هناك جانب آخر للموضوع، أعني، العلاقة التي يعطيها لنا هذا الحضور للروح القدس وعمله فينا مع الله. «لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله». هذا معناه أن الله يُدخلهم إلى المركز والكرامة والمجد الذي لأولاد الله. ماذا كان يسوع عندما كان على الأرض؟ كان ابن الله كإنسان. والروح القدس يعطيك الشعور الآن أنك ابن لله. فأنت لك المركز والكرامة التي لابن الله، وذلك لأن ابن الله الذي له كل هذا، قد أرسل الروح القدس لكي يُحضرك إلى هذا المكان والشرف، على أساس الفداء. لقد نزل الروح القدس، وهو يسكن في المؤمن، لكي يجعله يعرف ليس فقط أن المسيح أتى بالخلاص، وأنه هو قد صُفِحَ عنه وأن جميع خطاياه قد غُسلت، لكن أيضًا هو الآن ابن لله. إنني أعرف أن العالم يظن أن الناس الذين يتخذون هذا الأساس هم مُتكبرون أو متغطرسون، لكن دعونا نصغي إلى كلمة الله «لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله. إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب» (عدد15).

.إن الناموس لم يُحضر إلى قلب الإنسان سوى الخوف، لكن ماذا يُحضر الروح القدس؟ في الأصحاح الخامس من رسالة رومية نقرأ «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا».

 ثم يستمر الرسول في حديثه فيضيف «الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله» (عدد16). إن الروح القدس هو فينا روح التبني، لأنه يثبّتنا في الحق بحسب فكر الله وطبقًا للعلاقة التي وُضعنا فيها بنعمته في المسيح. إنه يُنتج في نفوسنا كل ما يخص تلك العلاقة. إنه يصبح نبع حياتنا، وأفكارنا ومشاعرنا. إنه يعمل فينا مُنتجًا محبة وحنوًا وأفعالاً موافقة لشخصه، بينما هو يسود على كل كياننا الأدبي. إذًا الروح القدس هو عمليًا روح التبني. إن مركزنا أمام الله هو مركز البنين، بالتباين مع العبيد تحت الناموس. وعلاقتنا هي علاقة الأولاد التي تتضمن الألفة والمودَّة مع الآب، والروح يقودنا لكي نتمتع بكليهما. إن الناموس لم يُحضر إلى قلب الإنسان سوى الخوف، لكن ماذا يُحضر الروح القدس؟ في الأصحاح الخامس من رسالة رومية نقرأ «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا» (رو5: 5). ما الذي يعطيني الشعور بمحبة الله؟ الروح القدس! فحينما يأتي الروح القدس ويسكب محبة الله في قلوبنا، حينئذٍ يطرح الخوف خارجًا «أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب». إن أولاد الله فقط هم الذين يستطيعون أن يقولوا هذا بحق. إنها لغة الأولاد. فكل واحد من المؤمنين ـ أولاد الله ـ عندما يجثو على ركبتيه مُصليًا، تسمعه يقول بثقة البنين «يا أبا الآب» حينئذٍ تعرف أنه على ما يُرام. إن صلاته تُظهر حالته الحقيقية أمام الله. لقد قَبِلَ روح التبني الذي به يقدر أن يصرخ «يا أبا الآب».

 إنه بالحقيقة أمر مبارك للغاية أن تصبح مسيحيًا، لأن المسيح هو إنسان «في المسيح»، وهو «في الروح» وله الروح القدس ساكنًا فيه. إن الروح القدس هو في كل مَنْ يؤمن بيسوع، وهو يعطيه إدراكًا وشعورًا بما له الآن، وبما سيكون له مستقبلاً. وأكثر من ذلك، حيث أن الروح القدس ساكن فيه، فإن الشيء التالي هو أن يفتح فمه ويصرخ «يا أبا الآب». لكن أكثر من ذلك، الروح القدس يخدمنا، ويُظهر لنا ما يخص المسيح، ويُحضرنا إلى التمتع بمحبة الرب، ومحبة الآب، ويمدنا بالتعزية الناتجة عن حقيقة كوننا أولاد الله. لكن لا يزال هناك أكثر «فإن كنا أولادًا فإننا ورثة أيضًا، ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه» (عدد17). شركاء في الميراث، شركاء في الآلام، شركاء في المجد مع المسيح، هذه هي الحقيقة التي نراها هنا. فنحن جنبًا إلى جنب مع المسيح. نحن أبناء الله، كما أنه هو ابن الله ـ ليس في بنوته الأزلية، لكن في المكان الذي أخذه بالنعمة كإنسان، والذي إليه يُحضر أولئك الذين يؤمنون به كما قال لمريم المجدلية «إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».

 لقد نزل الروح القدس لكي يعطينا الشعور والمعرفة، أننا نحن شركاء في الميراث وشركاء في الآلام، وأننا سنكون شركاء في المجد معه. (يتبع)