أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يونيو السنة 2008
نظرة جديدة الي الفصح
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

هناك ارتباط وثيق بين أبرز فرائض إسرائيل، وهو ״الفصح״، مع أثمن وأبرز ممارسة أعطاها الرب يسوع للكنيسة وهي ״عشاء الرب״ (1كورنثوس 5: 7-8). وفى الحقيقة إنه أسس هذه الفريضة الجديدة وهو يحتفل بالفصح مع تلاميذه (لو22: 14-20).

 وهناك بالطبع تباين ملحوظ ومحدد بين العيدين، فالأول كان لشعب أرضي، والثاني لشعب اُفتدي من بين الأمم وأُعَّد لميراث سماوي. وهدفي أن نتأمل في المقارنات الواضحة بينهما التي لا بد أن تؤثر بعمق في قلوب الذين يُسرون بطاعة الرب يسوع وإكرامه.

 ويعطينا الأصحاح الثاني عشر من سفر الخروج ست دلالات مُمَّيزة وهادفة للفصح، لها تطبيقات واضحة على تذكارنا في أيامنا هذه للرب. وسنضيف إلى هذه الدلالات، دلالة أخرى من العهد الجديد، هي ״كسر الخبز״.

1. ״فصح للرب״ (خروج 12: 11)

 2. ״تذكارًا״ (الآية 14)

 3. ״عيدًا״ (الآية 14)

 4. ״فريضة״ (الآية 24)

 5. ״خدمة״ (الآية 25)

 6. ״ذبيحة״ (الآية 27)

 7. ״كسر الخبز״ (أعمال 2: 42)

1- «فصح للرب»           

 هذا التعبير حلو للذين أدركوا كم كانوا مذنبين في عيني إله الحق النقي والقداسة. وهو يتضمن أن دينونة الله قد عبرت عن أولئك الذين احتموا بدم المسيح الثمين «فأرى الدم وأعبر عنكم» (خروج 12: 13) هي كلمات الضمان التام من فم الله. هذا الاحتفال إذا هو على أساس دم المسيح. وفيه الإرضاء التام لله، حتى أن كل ابن لله له ضمان أبدي بناء على عمل الفداء العظيم.

 وحيث إنه «فصح للرب»، فإنه بناء على عمل نعمته الثمين (المانع) الذي لا نظير له، فإن حق حفظه للذين احتموا بالدم فقط. ويطبق بولس الرسول هذا المبدأ عينه على عشاء الرب فيقول: «لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبح لأجلنا. إذا لنعيد» (1كورنثوس 5: 7، 8) والذين يتذكرونه في كسر الخبز يجب أن يعرفوه كالفصح، الذي رفع خطايانا إلى التمام وإلى الأبد بذبيحة نفسه. عندئذ فقط نستطيع أن نشترك بحق في هذا العيد.

 2- «تذكارًا»

 لم يكن الفصح قرارًا ارتجاليًا اتخذه الله نتيجة لحادث آخر، فقد فرضته حكمته الإلهية وسلطانه في نفس ليلة تحرير إسرائيل من العبودية في مصر بدم الحمل. ولذلك، قبل أن يُمارّس الفصح فعلاً، أسسه الله كتذكار للشعب. فالله لم يُرد أن يطوي النسيان هذه المناسبة الهامة.

 وبالمثل، بالنسبة للصليب. فقبل موت المسيح، وضع في قلوب تلاميذه اليائسة أنهم يجب أن يتذكروه كمن بذل جسده وسفك دمه من أجلهم. هذا التذكر أخذ شكل الاحتفال بالتذكار «اصنعوا هذا لذكري». ولاحظ أن الأمر ببساطة ليس تذكر موته، بل أن نتذكره هو (لو22: 19). فهو، رب المجد، قد صُلب ليخلصنا من دينونة الخطية وعبوديتها. مثل هذا التذكار بالتأكيد لم يستبعد التفكير في مجده السابق ووجوده مع الآب، وتجسده العجيب، وحياته التي بلا عيب، وتألمه في العالم، إلا أنه، حيث إننا «نخبر بموت الرب» (1كورنثوس 11: 27). فنحن نتذكره أساسًا كمن ذهب إلى الصليب وتحمل دينونة الله هناك، وقدم كفارة كاملة عن الخطية. وبينما يجب أن يأخذ هذا التذكار شكلاً مميزًا ومنظمًا، يجب ألاَّ يكون شكليًا بل تذكرًا حيويًا (فعالاً) للرب يسوع يؤثر في القلوب. وكما أن الفصح كان يعتبر بداية تاريخ بني إسرائيل، كذلك فموت المسيح بداية الحياة لنا. فهل يمكن أن ننسى هذا؟ المحزن، أن قلوبنا غبية، حتى إنه بدون هذا التذكر المنتظم قد نبرر وننسى بسهولة. وكثيرًا ما نسى إسرائيل عيد الفصح، والكنيسة أيضًا كثيرًا ما فتر تقديرها لعشاء الرب، فأعطته مكانًا ثانويًا بالنسبة للوعظ. فلنحفظ هذا التذكار. فكل تفكير في شخص المسيح سيزيد تمجيدنا له.

 3- «عيدًا»        

 يحمل العيد معاني وفيرة، تفوق إشباع شهية الضيوف. وكم ينطبق هذا على تذكار الرب. لأن هدفنا فيه ليس أن نأخذ بل أن نقدم له سجود قلوبنا، ولكن هذا يؤدي بالتأكيد إلى شبع نفوسنا. ألا نقبل نحن دعوة إلى حفل زفاف بهدف تكريم العريس والعروس؟ لكنهما من جانبهما لا يصرفاننا فارغين، وبالمثل في عيدنا لتكريمه يقدم الرب ما يزيد عمَّا يملأ كل قلب. وإذا كان هذا لا يحدث معنا، من نستطيع أن نلوم إلا أنفسنا؟

كلمة الله تصر على أن لا نتسامح مع السلوك الشرير أو الأخطر وهو التعليم الكاذب بالنسبة لمن يشتركون في كسر الخبز. فكيف يمكن أن تمتلئ القلوب بالمسيح بينما الشر يشغل مكانًا فيها

 ولكن يجب ألاَّ نتجاهل تحذيرًا من خطر هنا ينبه إليه في (1كورنثوس 5: 7، 8) «إذًا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير. لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبح لأجلنا. إذًا فلنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق».

فالخمير (الأفعال الشريرة) تشوه العيد بشكل رهيب. وكما أن عيد الفصح استبعد الخمير بكل حسم، هكذا يجب أن تستبعده جماعة شعب الله. وكلمة الله تصر على أن لا نتسامح مع السلوك الشرير أو الأخطر وهو التعليم الكاذب بالنسبة لمن يشتركون في كسر الخبز. فكيف يمكن أن تمتلئ القلوب بالمسيح بينما الشر يشغل مكانًا فيها. فهذا العيد عيد للقداسة، حيث لا يقدم الرب طعامًا ملوثًا بل فقط كل ما هو طاهر وصالح.

 4-«فريضة»

 لم يكن حفظ الفصح أمرًا متروكًا لتقدير بني إسرائيل أو أي شخص: لقد كان فرضًا حدده الله بكل حسم. وكم كان خطيرًا! ولذلك فتجاهله كان عصيانًا ضد فريضة الله. ولذلك يقول مشددًا «كل جماعة إسرائيل يصنعونه (يحفظونه)» (خروج 12: 47). كان هناك بالطبع استثناءات ضرورية : فالشخص النجس طقسيًا ينبغي ألاَّ يمارسه حتى يطهُر. وهذا أيضًا له نظير واضح في المسيحية. إلا أنه من المهم أن نلاحظ أن كلمات الرب عند تأسيسه «عشاء الرب» لم تكن وصية آمرة. وبحسب الأصل اليوناني ترد العبارة هكذا: «هذا اصنعوه لذكري» وليس ”اصنعوا هذا لذكري“. فالتأكيد هنا على «هذا» وليس على «اصنعوا». فهو هنا يخاطب القلب المتجاوب معه. ولكن أليست هذه الرغبة التي عبّر عنها الرب هي وصية للقلب الذي يحبه؟ هل يمكن أن أسمعه يتكلم بهذه الطريقة، وأشعر – رغمًا عن هذا، إنني أستطيع أن أعصاه؟ بمعنى آخر، بالنسبة للقلب المطيع، فإنه يشعر أن هذا مرسومٌ ملكيٌ لا يستطيع أن يتجاهله. إذًا «فكسر الخبز» فريضة من الله، ليست في شكل ناموسي، ولكنها فُرضت لكي يحفظها قديسوه في طاعة طوعية.

5- «هذه الخدمة»

 هذا التعبير يؤكد على روح الطاعة الطوعية. فالفصح كان لكي يُمارَس كخدمة، ولكي يُحفظ كفريضة (خروج 12: 24-25).

 وعندما يتكلم في يوحنا 12: 1-3 عن بعض التلاميذ المحبين الذين «صنعوا له هناك عشاء» يذكر التقدمة الثمينة التي قدمها كل منهم : خدمة ״مرثا״، وملازمة ״لعازر״ له، وسجود ״مريم״. وكم هو جميل أن نرى الخدمة المخلصة الخاضعة في هذا العيد وأيضًا الالتصاق والتعلق به. روح التواضع هذا المقترن بالطاعة والشكر لكلمة ذاك الجدير بالطاعة والشكر، سيجعلنا نستمر دون كلل فيها في «كسر الخبز». فهل نطيع الرب بتذكره باستمرار في "هذه الخدمة"

 6- «الذبيحة»

 يوجه هذا التعبير أنظارنا مباشرة إلى الخروف – المسيح فصحنا قُدِّم ذبيحة (ذُبح) لأجلنا. إنه لم يقدم بعض ممتلكاته، بل قدم نفسه طوعًا ذبيحة مباركة من أجل الخطاة. والتفكير في هذا يمكن أن يتفرع إلى عدة اتجاهات، كما أن الأفكار عن التقدمات الخمس في سفر اللاويين ترتبط بكثير من الحقائق الكتابية.

 وتذكر الرب أيضًا يتطلب بعض التضحية من جانبا. فعلينا أن «نقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح؛ أي ثمر شفاه معترفة باسمه» (عبرانيين 13: 15). ألا يُؤكد على هذا بشكل خاص وبطريقة جماعية في عشاء الرب؟ فالطيب الذي سكبته مريم التي من بيت عنيا على قدمي الرب يسوع لا يتضمن فقط التضحية بشيء غالٍ، بل تقديم الذات، لكي يكون كل الإكرام للمسيح وحده. إنه سكب القلب في حب مخلص وتكريم طوعي. هل نستطيع أن نمنع هذا عنه، عندما نتأمل في عظمة تضحيته هو التي ليس لها نظير.

 7- «كسر الخبز»

 مع إننا يجب أن نشترك في كل من الخبز والكأس في عشاء الرب، فإن هذه الخدمة تُسمى «كسر الخبز» فقط. أليس هذا لأن الخبز المكسور يتكلم عن آلام المسيح في جسده؟ أما الكأس، من الجانب الآخر، فيتكلم عن إتمام الفداء نتيجة لدمه المسفوك، والبركات التي ترتبت عليه لنفوسنا. ولذلك يسمى «كاس البركة التي نباركها» (1كورنثوس 10: 16).

 وبينما نستطيع أن نتكلم عن هذه البركة في عشاء الرب، فإن التركيز هو على كمال عمل الرب في تألمه الذي لا يُقارن بشيء. فتصف (1 بطرس 2: 24) آلامه «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة كم يستحق هذا أن تعزف قلوبنا أجمل ألحان الشكر تكريمًا له» وإذا كانت النغمات العالية (سوبرانو) تشدو بجمال وأمجاد شخصه المبارك، فالنغمات المنخفضة والأعمق (بيس) تعبر عن حزن نفسه حتى الموت، موت الصليب. فمبارك، هذا التأمل فيه.

هذه الخدمة تُسمى «كسر الخبز» فقط.، لأن الخبز المكسور يتكلم عن آلام المسيح في جسده؟ أما الكأس، فيتكلم عن إتمام الفداء نتيجة لدمه المسفوك، والبركات التي ترتبت عليه

 والخبز هو أعظم رمز لآلامه وموته. فأولاً، تقع الحبة في الأرض وتموت. وعندما تعطي الثمر، تُقطع، وهذه صورة أخرى للموت. ثم تُدرَّس وتُطحن لتصبح دقيقًا، ثم تُخلط، مع مكونات أخرى، وكل هذا يُشير للألم. وأخيرًا، تُعرَّض لحرارة النار القاسية في الفرن، وهي رمز لدينونة الله الرهيبة التي تحملها ربنا المبارك وحده على الصليب في فترة الظلمة من أجلنا. ولكن الخبز يعطي البركة للإنسان. فكم هو مجيد أن نعرف ربنا يسوع كخبز الحياة ثم نتذكره في «كسر الخبز».

 ألا يعرفنا عشاء الرب أيضًا أن هناك يومًا جديدًا ستشرق شمسه قريبًا جدًا. ولذلك في كل مرة نتذكره، ألا نتمثل حقيقة انتظارنا لمجيئه؟ «فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (1كورنثوس 11: 26). فهل نستطيع أن نرتاح بفكرة مجيئه، إذا لم نطعه بالاشتراك في كسر الخبز؟ أو هل يسعدنا التوقف عن ممارسته قبل مجيئه؟ بالتأكيد لا، لأن كلمة الله تقول «إلى أن يجيء». فلنكرمه بفرح بهذه الطريقة.

ل.م. جرانت