«يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ» (لو ١٩: ٥)
(تابع ما قبله)
(٣) بركة قبول الرب يسوع ونتائجها:
لقد قيل لنا إن «زَكَّا ... أَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ فَرِحًا» (لو ١٩: ٥، ٦). هذا الكلام فى غاية البساطة، لكنه مؤثر. إن المُخلِّص عادةً ما يقصد ما يقول؛ إنه دائمًا صالحٌ ككلمته. لقد قال للعشار الخاطئ إنه ينبغى أن يمكث اليوم فى بيته. وهكذا فعل؛ والسبب الذي أعطاه الرب لأن يكون ضيف رجل خاطئ كهذا الابن الغنى لإبراهيم، هو «أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو ١٩: ١٠). لقد قَبِل زَكَّا الرب يسوع؛ لم يقبل نظريات معينة ولا طقوسًا أو فرائض، بل قَبِلَ الرب نفسه. لقد آمن أن رب المجد يُحبه، وجاء من السماء ليفدي مخلوق خاطئ وغير مستحق مثله. هذه النعمة البديعة لم ترحه فحسب، بل جعلته يتضع إلى روح الحكم على ذاته والاعتراف، وأيضًا ألزمته بخدمة المسيح وتبعيته.
لا أحد يقبَل الرب يسوع دون أن يكون سعيدًا. إن زَكَّا «قَبِلَهُ فَرِحًا». إن نصيب أولئك الذين قبلوا الرب يسوع يتضمن بركات حاضرة، وأيضًا مستقبلة «أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يو١: ١٢). إن معرفة محبة الله فى المسيح ابنه لنا كخطاة فجار، تقود إلى العتق الأبدي من الدينونة، وملء كمالها الثابت يملأ النفس بالبهجة والسلام.
الخلاص هو النصيب الفوري للذين قبلوا الرب يسوع «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ» (لو١٩: ٩). إن فكر الإنسان الطبيعي هو أن عليه أن يعبد الله ويخدمه أولًا، ويأمل بأنه سيخلص فى النهاية؛ لكن طريقة الله أن يعطينا الخلاص فى الحال، ثم نحصل على خدمتنا وعبادتنا، لأننا مُخلَّصون. لقد علَّم الرسول بولس قديسي كورنثوس هذا التعليم. فقال: «اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا... لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (١كو٦: ١١، ١٩، ٢٠). لكن ما أروع بركة الخلاص الحاضر، ومعرفة أن المسيح نفسه هو حياتنا وبرنا، ولأنه حي فسنحيا نحن أيضًا!
لقد استُحضر المؤمن أيضًا إلى الشركة مع ابن الله. فالأكل معًا لا يعني الشركة فقط، بل المحبة والمساواة. لقد أظهر داود لطف الله إلى مفيبوشث، بأن أمر أن يأكل خبزًا معه على مائدته باستمرار، كواحد من بني الملك. كان ممكنًا للرب يسوع أن يخلّص زَكَّا دون أن يكون ضيفًا عليه؛ لكن محبة الله لا تُخلِّص فحسب، بل تدعونا إلى الشركة معه، وتأتي بنا إلى محضر الآب كأولاد الله الذين لا يستحي المسيح أن يدعوهم إخوة (عب٢: ١٠-١٣)، الذين يحبهم الآب كما يُحبّ المسيح (يو١٧: ٢٣). إنه حب لا يوصف؛ لكنه هو بالفعل هكذا، ومن امتيازنا أن نستمتع به.
وهناك ما هو أكثر، ذلك أن زَكَّا مارس السلوك التقوي، مزكيًا نفسه لدى ضمير كل إنسان أمام الله. لا بد أن تكون هذه دائمًا نتيجة معرفة الخلاص بالمسيح. حينئذ نشعر أننا لسنا فقط خليقة الله، لكننا أولاد الله، وأننا نعبده لا على سبيل الاضطرار والواجب فقط، بل بالاختيار. نحن لا نخاف إذًا الغضب الإلهي، بل نخاف من أن نُحزن مَن أحبنا بهذا المقدار. لا بد أن يكون لسان حال جميع المؤمنين: ”ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت“. وهو ما يأتي بالتدريب للقلب والضمير من جهة سيرنا اليومي وظروفنا. وإذ نتذكر كم سامحنا يجعل من السهل علينا أن نُسامح الآخرين. والشعور باللطف الإلهي والرحمة، يُلزمنا بأن نُسر بمحبة الآخرين وخدمتهم. إن إدراك أن العالم قد صلب القدوس ابن الله المُحبّ، وأنه مسرع إلى دينونته المخيفة، يجعلنا نشعر بالممنونية أننا لسنا من العالم، بل قد أُنقذنا منه، بنعمة غنية، بموت المسيح الكفاري. والرجاء المبارك «أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (١يو٣: ٢). وهذا الرجاء يوّجه نفوسنا إلى فوق، وإلى الأمام، إلى ظهور إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. وبالتالي فإننا نرى أن الفرح الحاضر، والخلاص والشركة والسير التقوي، مرتبطين فى الحال بقبول الرب يسوع.
لكن ما أتعس مصير من لا يُسْرِعْ وَيَنْزِلْ، ويقبل المخلص! قال الرب يسوع: «إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ» (يو ٨: ٢٤)، وبالتالي فإننا نرى أن أولئك الذين لا ”يُسرعون“ الآن بالمجيء إلى الرب يسوع للخلاص، يُسرعون فى طريق الهلاك الواسع. وأولئك الذين لم ”ينزلوا“ الآن كقول بشارة المٌخلِّص، سيُطرحون فى الظلمة الخارجية حسب أمر ديان الكل. ثم الأبدية ... الأبدية ... لا بد أن تُغلق إلى الأبد على كل أمل ورحمة، أمام البكاء والعويل وصرير الأسنان، في الظلمة واليأس، ليكون هو النصيب الذي لا يتغير لكل من لا يطيع دعوة المخلص.
مرة أخرى عزيزي القارئ، دعني أقول لك: ”أَسْرِعْ وَانْزِلْ“، لا تؤجل، لا تتردد أكثر، لا تتأخر ثانيةً، قرر في الحال، ”وَانْزِلْ“ إلى ذراعي المخلص المُحبّة، الذي دمه يُطهِّر من كل خطية، ليكون الخلاص - بكل بركاته الحاضرة والأبدية - من نصيبك إلى الأبد.
يا ليت الروح القدس يُمكّنك من فعل هذا!
تَعَالَ إِلَى الرَّبِّ حِصْنِ الأَمَانْ
تَعَالَ لِمِينَا السَّلاَمِ وَخُذْ |
وَأَسْرِعْ وَلا تُهْمِلِ
سَلاَمَ الإِلَهِ الْعَلِيّْ |