«وبينما هو يتكلَّمُ، جاءَ واحدٌ مِن دارِ
رئيسِ المَجمَعِ قائلاً لهُ : لا تُتعِبِ المُعَلِّمَ» (لو٨: ٤٩)
يا مَن أتيت من دارِ رئيسِ المجمَعِ، دعكَ من نصائِحكَ، فليس كُلُّ ما يحمِلُ فىِ ظاهرِهِ نُصحًا يحملُهُ شخصٌ يُحسَبُ نصيحًا.
يالها من مداخَلَةٍ، تشوِّشُ على برنامجِ الإيمانِ تشويشًا، وربَّ مشاهِدٍ مستمِعٍ، يُعرقَلُ وللوهلةِ الأولى ظنَّها أمرًا فصيحًا.
فكثُرَ ما ظنَّه الناسُ، بل ما ظنَّ الناطِقُ بهِ، وكأنَّهُ مملوءٌ ذوقًا رفيعًا: «لا تُتعِبِ المُعَلِّمَ»، على أنَّه فى محتواهُ ليس غيرَ نافِعٍ فقط، ولكنَّهُ يحمِلُ فى حق الجليلِ عيبًا مريعًا.
أيها الوافِدُ من دارِ رئيسِ المجمَعِ، هل ظننتَ أن إمكانياتِ السَيِّدِ، تعمَلُ على أشُدِّها، فتبلُغُ بالكادِ ذروَتَها، لإنقاذِ من هي على آخِرِ نسمةٍ، وتعتذِرُ معلنةً إفلاسها، إذا ولَّتِ النسماتُ بأكملِها؟
فكتابُ الله يُعلِّمُنا، أن صاحِبَ البأسِ المُطلَقِ، لا يُنجَدُ بالفُرصِ الطويلةِ، بحثًا عن الحلولِ البديلةِ، أو يتحوَّلُ في سجلاتِ المطالِبِ إلى الأسئلةِ البسيطةِ اليسيرةِ هربًا من الأُخرى العسيرة. ولا يُرجئُ قرارهُ في الإمساكِ بقضيةٍ ما بعدَ دراسةِ حيثياتِها: إن تمثَّلت فى تموِّجِ الماءِ أم في عجيجِ الأمواجِ العاتيةِ الخطيرة!
إنَّه يعَلِّمنا، ربَّما عكسَ ذلك، فيوم أن سمِعَ أن الذي يحبُّه مريضٌ، مكَثَ فى الموضعِ الذي كان فيه يومين (يو١١: ٦).
فما اعتلى أفراسَهُ الحربيةِ كربَّ الجنودِ، ولا طارَ على كروبهِ مصطَحِبًا ربواتِ ألوفِهِ المكررة لضمانِ سرعةِ الوفودِ، ولا ركَبَ سما السماواتِ القديمةِ، على أنَّه كثيرًا ما اعتلاها آمِرًا سواسيةً عالمَ الوجود واللاموجودِ!
بل مَكَثَ فى موضِعِهِ يومين، على عكسِ ما تزعَمُ أيها الناصِحُ، لا ليترقَّبَ لُحيظَةً استراتيجيةً قبل خروجِ آخِرِ نسمةٍ، مُستخدِمًا إياها، ليُعيدَ بها الحياةَ بجُملتِها! ولِمَ يفعَلُ ذَلِكَ، فهل له ثانٍ فى إبطالِ الموتِ، بل وفى إنارةِ الحياةِ والخلود؟
أخي أنقولُ مع بعضِهِم: ”ألم يقدِرُ هذا الذى فَتَحَ عينيَ الأعمى أن يجعَلَ هذا، أو ابنةَ يايرس أيضًا لا تموت؟“ (يو١١: ٣٧).
بلى، يَقدِرُ على هذا وذاك، ولكنَّهُ أيضًا يقدِرُ أن يجعَلَ من ماتَ، أو قد أنتَنَ إلى الحياةِ أيضًا يعود!
إنه لا يتعَبُ من عُسرِ مشكلاتِنا، ولا يتبَّرمُ بتفصيلِ وجملةِ طلباتِنا، ولا يرتبِكُ إن ضجَّ اللاطمون ولا يأبهَ إن ضَحِكَ الباكون، إنَّهُ يأخُذُ طريقَهُ إلى موضِعِ الصبيةِ، وحيث وَصَلَ ملِكُ الأهوالِ منذ قليلٍ، ولو أتى بعده فهو ببأسِهِ وصولجانِهِ يدوس، وحيثُ وَصَلَ الواعِدُ القادِرُ، بل وصاحِبُ الوعودِ الذي يُفَعِّلُها فتُثمِرُ، ها الحياةُ الجديدةُ بكُلِّ قوةٍ تعود، وها هو إلى طعامِها الجديد وإلى يناعَةِ مرعاها يقود.