«كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا ... وَامْرَأَتُهُ ... وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ»(لو١: ٥، ٦)
يحدث قدر كبير من الاختلاف بين العصور المختلفة، وفي وسط الظروف المتباينة، التي تؤثر على حياة الإنسان. ففي أيام الصلاح - حينما تغلغلت التقوى في كل جوانب الحياة – لم يكن أمرًا مُلفتًا أن يحيا إنسان ما باستقامة وصلاح. ولكن في الأيام التي كاد أن ينمحي فيها الصلاح، وسادت روح الابتعاد عن البر، كانت حياة التقوى والتكريس تتلألأ كبهاءً نادرًا، كمصباح مُضيء في الظلام.
هكذا كانت أوقات وروح «أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ»، وهكذا سُجِّلَت لنا هنا حياة أُناس غير ملومين، متقدمين في العمر. وفي وسط الفساد المُستشري للكهنوت ورياء الفريسيين، عاشوا ببساطة، في التقوى وفي مخافة الله. والدرس هنا أنه ليس لنا بالضرورة أن نكون مثل الآخرين، إذا كان باقي الناس ليسوا كما يجب أن يكونوا. وليس لنا أن نرتضي بالمعيار السائد للمعيشة، إذا كان هذا المعيار السائد متدنٍ. ويجب علينا أن نُجاهد لنعيش بالبر والتقوى، بغض النظر عما وصل إليه الفساد في هذه الأوقات. وإن هذا ليس مستحيلاً. فالله قادر ومستعد لأن يُعطينا كل نعمة نحتاجها، لنتمكن من أن نعيش حياة صادقة ومقدسة، في أحلك الظروف المُعاكسة. ويستطيع الرب أن يفعل ذلك إذا ما وضعنا – تبارك اسمه – في مثل هذه الظروف. والله لا يُخطئ قط في زرع الناس في هذا العالم. وهو لا يضع أي واحد منا في مناخ روحي لا نستطيع أن ننمو فيه في الجمال والقوة. وحيثما يزرعنا، فإنه يُرسل لنا أنهارًا من النعمة ليُنعشنا. وهكذا – فأينما وكيفما تكون ظروفنا، فمن الممكن لنا أن نحيا حياة تتفق مع التقوى والصلاح. وكلما كان ظلام الخطية أشد حلكة حولنا؛ كان النور الذي يتدفق من حياتنا ومسلكنا، أكثر وضوحًا وثباتًا. نعم، يجب على أي واحد منا أن يكون قادرًا على أن يحيا حسنًا في وسط التأثيرات الودية والظروف المُشجعة، ولكن الأكثر أهمية أن نكون أمناء وصادقين للمسيح، عندما نكون مُحاطين بأولئك الذي لا يحفلون بالرب.