«وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ» (لو٢: ٢٦)
يا له من أمر مخيف لكل واحد أن يرى الموت قبل أن يرى المسيح! فالموت مُرعب. إنه وادي الظلال. وهو يقودنا إلى محضر الله لكي نُدان. فما الأمر إذًا إن كنا لم نرَ المسيح قط؟ فليس الأمر الهام أننا رأينا أناسًا عظماء في مدة حياتنا، وليس الأمر الأهم هو ما فعلناه في طريق الخير أو الأعمال الجليلة، أو أن نكون قد رأينا عجائب كل بلاد العالم، وحققنا الشهرة والشرف السامي. ولكن إذا لم نكن قد رأينا المسيح، فإننا لسنا مستعدين لأن نموت. وحتى أشر الناس يريدون أن يروا المسيح قبل أن يحل الموت، رغم أنهم كانوا طوال حياتهم يرفضونه. فهم قد يستطيعون أن يعيشوا بدون المسيح، ولكنهم لا يجسرون أن يموتوا بدونه.
توجد قصة عن شخص كان مُنكرًا للمسيح، ولكن زوجته كانت مسيحية مُخلَّصة. وكانت ابنتهما الصغيرة الجميلة تحتضر على فراش الموت. كان أبوها يستهزئ دائمًا بالمسيح في حضورها. وعندما دنت من الموت سألته عما إذا كان يريدها أن تموت على عقيدته، أم على عقيدة أمها؛ كملحدة أم كمسيحية. فعندئذٍ قال بإحساس عظيم: “أنا أُفضِّل يا ماري أن تموتي في إيمان أُمكِ؛ أي أن تموتي كمسيحية”. فهو لم يرضَ أن تلاقي ابنته الموت كغير مؤمنة، وهكذا تبخر كل إلحاده أمام اللغز الرهيب.
إن الموت يختبر جميع العقائد. والعقيدة التي لا تصلح لأن يموت فيها الإنسان الذي يريد أن يتخلى عن كل شيء، إذ يدخل عتبات الأبدية، لهي بالتأكيد لا تستحق أن يقبلها كائن خالد. فلم يُسمع قط من أحد عند دخوله في وادي الظلال أنه ندم على وضع نفسه في يدي المسيح. فإذا كنا قد رأينا المسيح حقًا، فنحن مستعدون للقاء الموت في أية لحظة. لقد انتقلنا من الموت إلى الحياة، وليس لنا شيء نخافه في اختبار الموت. فالانطلاق هو فقط انتقال من الظلام إلى النور