«شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»
(أع٩: ٤)
كان شاول شابًا يهوديًا متدينًا جدًا. كان يمارس كل الفرائض والطقوس، بكل دقةٍ، إذ كان فريسيًا، والفريسيون هم جماعةُ المُدققين المتشددين في الدين. وفي ولائه الشديد لديانة آبائه، أخذ يضطهدُ أتباع المسيح حتى الموت والسجن، للرجال والنساء. وهو نفسه، فيما بعد، وصف حالته فقال: إنه كان «مُفْتَرِيًا». وهذه هي خلاصة حياة الشاب شاول. لكن الرب اعترض طريقه، وهو ذاهبٌ من أورشليم إلى دمشق، ليضطهد المسيحيين الموجودين فيها. نعم فقد ظهر له بنور من السماء، أفضل من لمعان الشمس، وبصوتٍ يخاطبه ويناديه، نداءً شخصيًا: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»
إن ما حدث مع هذا الشاب شاول، كما قال هو نفسه بعد ذلك، إنما كان مثالاً لما سوف يعمله المسيح مع كثيرين بعدَه، سيؤمنون به للحياة الأبدية. (١تي١: ١٢-١٥).
ولأن عالم اليوم مليء بالشباب المتحمس المتدين أمثال شاول الطرسوسي هذا، فإن نفس الكلمات التي قالها المسيح لشاول يمكن أن توجَهَ إلى الملايين اليوم: «لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»
كان شاول يُبغض اسم «يسوع الناصري»، ولأنه لم يقدر أن يصل إليه شخصيًا فقد أظهر كراهيته له في أشخاص تابعيه. لكن المسيح استوقفه بسؤال المحبة والعتاب «لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»، وكأنه يقول له: أنا أحبك، فلماذا تكرهني؟
«لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟»: كان شاول سائرًا في طريقه، يظن أنه، بعدائه لأتباع المسيح، يقدم خدمة لله. فإذا به يفاجئ بالرب يسوع المسيح، المُمجَّد في السماء يقول له: إن كل خططك وأعمالك خاطئة. إنك لتستوجب عليها أشد الجزاء من حيث تتوقع الثناء. إنك تعادي - دون أن تدري - ملك الملوك ورب الأرباب، لكنني سأسامحك، وسأغفر لك كل صفحات ماضيك الأسود. ويا له من موقف غيَّر كل أفكار ذلك الشاب فى لحظةٍ! لقد اكتشف أنه كان في صف الشيطان، بل وآلةٌ في يده أيضًا، بينما هو يظن أنه يؤدى خدمة لله!
لما سمع شاول هذه الكلمات، وهو ساقطٌ على الأرض، من بهاء النور الذي رآه، أجاب وقال: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ الرَّبُّ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ»
إذًا فهذا لقاءٌ شخصيٌّ مع الرب! وبكلمات أخرى: الإنسان والربُّ وجهًا لوجه. لذا لاحظ الأسلوب الشخصي في رد الرب يسوع على شاول: «أَنَا ... وأَنْتَ» ... «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ» ... أنا المحبةُ، وأنت الكراهية ... أنا النورُ، وأنت الظلمة ... أنا التسامح، وأنت الحقد. هذا كله وأكثر تلخصه كلمات المسيح المحددة «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ».
ولقد انتصرت محبة الرب وكان لا بد أن تنتصر، فتغير شاول بعد هذه المقابلة تغييرًا كليًا. لقد انتهى شاول القديم، وأصبح في المسيح إنسانًا جديدًا، وذلك لأن لقاءً شخصيًا له مع الرب قد حدث، فيه استمع صوت الرب متكلمًا إليه.
آه ما أحوج الملايين اليوم إلى مثل هذا اللقاء؟! أُصلي أنه، إذا لم يكن قد سبق لك مثل هذا اللقاء مع المسيح العجيب، أن تختلي به الآن، فتنعمُ بذلك اللقاء المُغيِّر؛ لقاء الإنسان والرب وجهًا لوجه.