«وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ: ... هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ، وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ ... وَتَصِيرُ بَابِلُ، بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ، كَتَقْلِيبِ اللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ» (إش١٣: ١، ١٧، ١٩).
في ذلك الوقت الذي فيه أوحى الله بهذه النبوة لإشعياء، كانت مملكة أشور هي القوة العظمى المُهيمنة على ذلك الجزء من العالم الذي يسلط الله الضوء عليه. وكان إشعياء قد شاهد بعينه نهاية مملكة العشرة أسباط (مملكة إسرائيل)، التي سُبي شعبها إلى أشور. وأيضًا شاهد الهجوم الضاري على مملكة السبطين (يهوذا وبنيامين).
كانت بَابِل وقتها مجرد ولاية ضمن مملكة أشور العظيمة، ولم تصبح قوة عالمية إلا بعد مرور أكثر من مئة عام من ذلك الوقت. ولقد ركز إشعياء في نبوته على بابل وزناها، ولكن سقوط بَابِل - كما يذكره النبي هنا - لم يحدث إلا بعد مرور قرنين من الزمان تقريبًا على هذه النبوة. ومع ذلك فالروح القدس سجَّل بقلمه تفصيلات كثيرة ودقيقة عن هذه الحادثة ... ستسقط بابل بيد الْمَادِيِّينَ (الذين يُظن أنهم قدماء الأكراد)، وسلطانهم سينتهي سريعًا على يد ”كُورَش“، وهو الأمير الفارسي الذي ذَكره إشعياء بالاسم في أصحاحات ٤٤؛ ٤٥. والله يدعوه ”رَاعِيَّ“ (إش٤٤: ٢٨)، و ”مَسِيحِيّ“ (إش٤٥: ١). وهو في هذه النبوة أيضًا يتكلَّم عن رَدّ اليهود من سبيهم، وعن أمر الله لهم ببناء الهيكل وأورشليم.
ومصير بَابِل كان مصيرًا مروّعًا حقًا. فقد تحققت النبوة أنه متى تم خرابها لن تعود تُبنى بعد. وإلى هذا اليوم تلك البقعة لا يسكن فيها إلا الوحوش الكاسرة، حتى أن العرب يتحاشون السكن فيها، أو حتى قضاء ليلتهم في ربوعها.