ليست الظروف هي ما تجعلنا سعداء أو تُعساء، بل توجهنا حيالها؛ الطريقة التي ننظر بها إليها، أو نشعر بها تجاهها.
إننا نجتهد باستمرار لنُشكل ظروفنا حتى تُلائم أهواءنا، ونتمكن من فعل ذلك إلى حد ما، لكن هناك ظروفًا عديدة أخرى خارج نطاق سيطرتنا، ولا نستطيع تغييرها.
إن ميل الكثـيرين منا - نحن البالغين- هو عدم الرضا والحنق، بل والشعور بالمرارة، عندما تكون ظروفنا ليست على هوانا، وكالأطفال نبكي ونعبس ونستاء، عندما لا نجد ما نريد. هذه التصرفات هي مصدر دائم للتعاسة، لنا ولمن حولنا.
البعض منا يستطيعون أن يكونوا أكثر واقعية، فيخرجون الأفضل مما لا يستطيعون تغييره، ويُوجهوا أنفسهم في محاولة أن يكونوا أكثر هدوءًا، وأقل اضطرابًا في ظروفهم. وبالرغم من أنه لا توجد راحة حقيقية فيها، إلا أنهم يتحكمون في أنفسهم، ربما بسبب الكبرياء أو القناعة بكونهم أقوياء، بدلاً من التصرف كالأولاد، لكن هذا ليس هو التوّجه المسيحي!
غَيِّر توجُّهك:
قال بولس عن نفسه «قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ (من ظروف)» (في ٤: ١١). على التوجُّه المسيحي أن يُظهر سعادة حقيقية، ورضا تامًا، حتى في الظروف الأقسى وفي التجارب الأكثر إيلامًا. إن المؤمن يُدرك أنه ابن محبوب لله، وأن أباه مُتحكم في كل الظروف، وأنه لن يسمح ألا بما يؤول في النهاية لصالحه. «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَـيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ» (رو ٨: ٢٨).
ليس هناك “إذا” أو “لو” أو “لكن” في أمورنا؛ فعلى المؤمن أن يكون قادرًا على مواجهة أية ظروف تُصادفه. وإذ يُجرَّب بها يعرف أنها بالتأكيد ستعمل إيجابيًا لخـيره. فأبيه يُجهز له فيها درسًا ليتعلَّمه، وبركةً ليحصل عليها منها. فـهي فرصة ذهبية ليتمرَّن على الصبر والخضوع، ويستعرض الإيمان والثقة في الله، وهو في ظروف التجربة، وهكذا ينمو في النعمة، وفي معرفة ربنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح. وعليه أن ينظر إلى التجربة على أنها فرصة ليُظهِر - بتصرفاته وردود أفعاله - الحياة الإلهية التي نالها من الله.
اتبع المسيح كمثال:
انظر إلى الظروف التى كان على المسيح أن يجتازها:
لقد هرب لحياته إلى مصر، في طفولته (مت ٢: ١٣، ١٤).
وفي صباه، عمل كنجار صغير في مدينة الناصرة المحتقرة (مر ٦: ٣؛ يو ١: ٤٦).
لم يكن له أين يُسنِد رأسه، وهو رجل (مت ٨: ٢٠)؛
وظن أقرباؤه أنه مختل (مر ٣: ٢١)؛
وقال الجمع عنه إن به شيطان (يو ٨: ٤٨)؛
كما احتمل الهزء والتعيير والعداوة (مت ٢٧: ٢٩؛ عب ١٢: ٣).
لقد قبل كل هذه الظروف من يد أبيه، دون غضب أو تذمر أو أنين، ووجد فيها الفرصة لإظهار طبيعته الإلهية.
واليوم كل ابن لله هو شريكٌ في تلك الطبيعة الإلهية (٢بط١: ٤)، وله المسيح كحياته؛ ففي كل ظرف يمر به هناك فرصة مُعطاة له من الله، ليحيا تلك الحياة الإلهية في تصرفاته، وفي ردود أفعاله، ليجعل المسيح - الذي هو حياته – أن يملأ كيانه كله، ويحيا فيه بحياته. وهذا هو بالضبط ما قصده بولس بقوله: «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في ١: ٢١).
إن التوجُّه المسيحي تجاه ظروف الحياة، يُعطينا نظرة عامة مختلفة لكل شيء، فلا يُنظر إليها بعد باعتبارها مثيرة للغضب، وبلايا مُستهجنة، بل كفرص ذهبية لنقوم بالأدوار التي أعطانا الله إياها كأولاده، لنكون بحق «بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ» (في ٢: ١٥).
ابدأ في تقديم الشكر:
حتى الضيقات في طريق المؤمن، عندما يُنظَر إليها بتوجُّه مسيحي، تُصبح، لا مجالاً للشكوى، بل للشكر.
«افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ» (١تس ٥: ١٦-١٨).
«لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْـنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ» (٢كو ٤: ١٦-١٨).
إن هذا التوجُّه المسيحي هو ما يمنح التعزية الحقيقية والرضا لكل ابن لله، مهما كانت الظروف صعبة على الإنسان الطبيعي. فالمؤمن ينظر إليها باعتبارها آتية من يدي الآب المُحب الحانية، وكفرصة جديدة ليتعلَّم دروسًا فى ضبط النفس والصبر والإيمان والطاعة، وللحصول على بركة غنية من يدي أبيه لنفسه الآن، وثِقَلَ مَجْد أَبَدِيّ فيما بعد.
عزيزي: تذكَّر أن ظروفك الخارجية ليست هي ما يجعلك سعيدًا أو تعيسًا، بل توجهك الداخلي تجاهها، وتجاه الله فيها.
أ. س. هادلى