«واجتمع إليه كل رجل متضايق وكل من كان عليه دين وكل رجل مر النفس فكان (داود) عليهم رئيسًا»
ما أروع هذا المشهد الذي لم يقصد الوحي من تسجيله سوى أن يلوح أمام النفوس الحائرة والخائرة براية الراحة الحقيقية، لا في داود بن يسى في حد ذاته، وإنما من خلال هذا الظل الباهت يظهر مجد ابن داود الحقيقي، ربنا يسوع المسيح.
لقد كان داود مطاردًا ومضطهدًا من شاول، مرفوضًا ومبغضًا منه، صورة لربنا الذي هو مرفوض الآن من العالم، الذي قتله، متخطيًا بذلك كل الشرائع والقوانين.
ومع أن داود كان مطاردًا لكن «اجتمع إليه...» أي انضم إليه مجموعة من الناس، وإن كانت جماعة بسيطة وغير معترف بها من العظماء وجبابرة البأس، لكن فيها نرى صورة لأولئك الذين وجدوا في شخص المسيح كل كفايتهم وشبعهم وسرورهم وغناهم الحقيقي، الذي وإن كان قد احتقره البناؤون باعتباره حجر الزاوية، ولكننا نحن نأتي إليه باعتباره حجرًا حيًا، بل هو حجر كريم، ذاك الذي قَبِل من الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: «أنت ابني الحبيب بك سررت». أمام روعة هذا المشهد لنصغ إلى تحريض الرسول بالروح القدس: «فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره» (عب 13 :13).
وما هي نوعية الناس الذين التفوا حول داود المطارد؟ لقد كانوا أناسًا حطمتهم الظروف والمآسي، فمنهم المتضايق، ومنهم من كان عليه دين، وأخيرًا منهم من هو مر النفس. وما أكثر ما تسبب هذه الأمور من الضيق للنفس، وانحناء تحت ثقلها. فأين تجد النفس المنحنية راحتها وفرحها وسلامها وهدوءها؟ بكل تأكيد في ذلك الشخص المحبوب، ربنـا يسوع المسيح، والذي داود في هذا المشهد مجرد رمز له، ذاك الذي سبق وتألم مجربًا، ويقدر أن يعين المجربين.
عزيزي القارئ: هل ضاقت نفسك وتحطمت آمالها تحت الديون؟ هيا إلى الرب يسوع، الذي يضمك بين ذراعي محبته. هيا ضع رأسك على صدره واستمع إلى نبضات قلبه المحب، التي تهدئ من روعك. فمن هو كفء لرفع النفس من كل مرائرها الشديدة سواه، ذاك الذي قيل عنه وبحق «عاضد كل الساقطين ومقوِّم كل المنحنين» (مز145 :14) وقالت حنة عنه بعد اختبار رائع: «يقيم المسكين من التراب» (1صم2 :8). فتعال أخي العزيز إلى من يعرف أن يغيث المعي بكلمة... إلى من «يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة».
«فكان عليهم رئيسًا» وبهذه الكلمة ازداد المشهد الرمزي روعة، إذ في هذه الكلمة يسطع شعاع مجد خاص لربنا يسوع المسيح، يختفي وراءه الظل وتبدو الحقيقة في ذاك الذي أقامه الله رئيسًا ومخلصًا، والذي هو بالنسبة للمتغربين «رئيس الإيمان»، وبالنسبة لأولاد الله المحبوبين هو «رئيس خلاصهم»، وبالنسبة للمتألمين العابرين الوادي هو ”رئيس الكهنة الرحيم والأمين“.