قارئي العزيز، أود أن ألفت انتباهك إلى موضوع هام، وهو أنه عندما نُخطئ، سواء بالفكر أو بالقول أو بالفعل، سواء سهوًا أم عمدًا، فهذه الخطية مُوجهة مباشرةً ضد الله ذاته. قال الله لآدم «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (تك٢: ١٧). والمشكلة لم تكن في الأكل أو عدمه، بل في عدم طاعة الله نفسه. والنتيجة الطبيعية للخطية هي الموت. إن يوسف مثال واضح لذلك؛ هذا الشاب الذي عُرضت عليه الخطية، لكنه هرب منها سريعًا قائلاً: «كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تك٣٩: ٩).
إن الله محبة، وهذا يعني أن محبته لا حدود لها. وهو قدوس، وهذا يعني أنه لا يتنازل عن عدله. فالعدل يطلب دينونتنا، والمحبة تطلب خلاصنا. كيف يُمكن حل هذه المعادلة الصعبة؟ إن الحل يوجد في الله المحب والعادل ذاته. لقد أرسل ابنه الوحيد الحبيب ليُتمِّم هذه المهمة الصعبة. فدفع الابن الغالي عقوبة خطايانا التي هي موت. ومكتوب «لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (في٢: ٧، ٨). لقد تم كل هذا ليصلك الخلاص مجانًا، لكنه كم كان مُكلفًا بالنسبة للمُخلِّص الذي كان «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ» (إش٥٣: ٣).
صديقي، تفكر في معاناته قبل الصليب، ومعاناته على الصليب. في جثسيماني، تواجهت قوة الظلمة مع قوة الرب. «وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ» (لو٢٢: ٤٤). لكن طاعته كانت كاملة، ليُتمِّم القول: «الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ ألاَ أَشْرَبُهَا» (يو١٨: ١١). لقد أتوا ليُسلموه كأنه لص، وساقوه إلى محاكمة مجحفة أمام رؤساء الكهنة. ثم سيق إلى محاكمة أخرى ظالمة أمام بيلاطس، وثالثة أمام هيرودس، الذي سخر منه واحتقره. ثم أعاده إلى بيلاطس مرة أخرى، فجلده وأمر بصلبه، بالرغم من اعترافه بأنه بار. وضفر العسكر له إكليل من شوك، ووضعوه على رأسه. بعد ذلك، حمل صليبه وذهب إلى الجلجثة. هناك سمروه، معلقين إياه على خشبة بين لصين حيث «أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ» (إش٥٣: ١٢)، وقال: «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مز٢٢: ١٦)، مُتمِّمًا النبوات.
لقد عُلق على الصليب ست ساعات. أثناء الثلاث ساعات الأولى، تحمَّل ربي جميع الآلام الرهيبة سواء الجسدية أو النفسية، الاحتقار والتعيير من الإنسان صنعة يديه «تَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ» (مز٦٩: ٩). وأثناء الثلاث ساعات الأخيرة انفرد به الله كالديان العادل، الذي وضع عليه إثم جميعنا.
كانت هناك مياه غامرة «غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ» (مز٤٢: ٧). اسمعه يقول بروح النبوة: «خَلِّصْنِي يَا اَللهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي. غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ، وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، وَالسَّيْلُ غَمَرَنِي» (مز٦٩: ١، ٢)، على أنه لم يعرف خطية.
كانت النار المروعة هناك «مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا» (مرا١: ١٣). هنا يصنع المسيح عمل الكفارة، حيث كان جسده يحترق بلهيب النار.
كانت هناك أيضًا الظلمة الحالكة. اسمعه يقول: «وَضَعْتَنِي فِي الْجُبِّ الأَسْفَلِ، فِي ظُلُمَاتٍ، فِي أَعْمَاق. عَلَيَّ اسْتَقَرَّ غَضَبُكَ، وَبِكُلِّ تَيَّارَاتِكَ ذَلَّلْتَنِي» (مز٨٨: ٦، ٧). هذه الظلمة هي التعبير عن الخطية في قبضتها، والموت في سلطانه. وكانت الشهادة عن الآلام التي صنعتها يد العدالة الإلهية على ذاك الذي جُعل خطية، وحمل في جسده كل خطايانا على الخشبة.
لماذا هذه التكلفة الباهظة من جانب الله؟ ولماذا كل هذه الآلام؟ هل تعلم لماذا؟ لأن كل اشتياق قلبه، وهدف أمنيته أن يمجد الآب. إنه يُحب أبيه، ويُحبك ويُحبني. لماذا كل هذه المعاناة؟ لأن الرب يسوع حمل آثامنا، لأن مجد الله تطلب دينونة الخطايا في الجسد. لهذا ترك الله مُخلِّصنا المُحب. إن ألسنتنا عاجزة عن وصف آلام ربنا الحبيب ومُخلِّصنا يسوع، ولا سيما الآلام الكفارية التي تذيب قلوبنا. بهذه الآلام، دفع المسيح ثمن خلاصنا كاملًا.
عزيزي القارئ: أتمنى أن تفكر في هذه المحبة والأحزان والألم والتعيير والجروح والترك. هل تقبله كمخلصك وفاديك، فينساب السجود من قلبك إليه؟