أعمال2؛ أعمال8؛ أعمال10؛ أعمال19
شهادة استفانوس عن المسيح
ننتقل الآن إلى المناسبة الثانية التي نجدها مُسجّلة في الأصحاح الثامن من سفر الأعمال. في الأصحاح السابع من هذا السفر، تجدون أن استفانوس وهو ممتلئ من الروح القدس، يقدم شهادة رائعة الجمال عن ابن الإنسان الذي رآه قائمًا عن يمين الله. أما التُهمة التي يوجهها إلى الأمة، فهي خطيرة جدًا «أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس» (أع 7: 51). إن الأمة المُذنبة التي بَشََّرها بطرس أكثر من مرة منذ الأصحاح الثاني من سفر الأعمال، أكملوا شرهم برفض شهادة استفانوس. إنهم بالحقيقة «أهل المدينة» الذين أشار الرب إليهم حينما قال: «إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة، ليأخذ لنفسه مُلكًا ويرجع. فدعا عشرة عبيد له، فأعطاهم عشرة أمناء، وقال لهم، تاجروا حتى آتي. وأما أهل مدينته فكانوا يبغضونه، فأرسلوا وراءه سفارة (أو رسالة message) قائلين، لا نريد أن هذا يملك علينا» (لوقا 19: 12- 14). كان استفانوس هو الشخص الذي أرسلوه إلى الإنسان الشريف الجنس. كان هو رسولهم، والرسالة التي حملها كانت «لا نريد أن هذا (الإنسان) يملك علينا». لقد رفضت الأمة اليهودية مسياها على الأرض، كما رفضته أيضًا كالمخلص في المجد. لقد أكملوا مكيال خطاياهم. وقد مات استفانوس نظير سيده وهو يُظهر نعمة المسيح الجميلة في أسمى تعبير: إنه «وهو ممتلئ من الروح القدس» خرج نَفَسَه الأخير بقوله: «يا رب، لا تُقِم لهم هذه الخطية. وإذ قال هذا رقد».
لم يستطع استفانوس أن ينهي صلاته كما فعل سيده في لحظة موته. لقد قال الرب على الصليب «يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون». أما استفانوس، وهو ممتلئ من الروح القدس، فلم يستطع أن يقول هذه الكلمات، لأنه عَلِمَ، ولأن الروح القدس عَرِفَ، أنهم كانوا جميعًا يقاومون النور، حيث عرفوا مَنْ كان يسوع بالحقيقة. إذًا فإن استفانوس - الشهيد الأول لأجل الحق – مات، وصورة سيده المبارك مطبوعة عليه. وقد كانت النتيجة، إضطهادًا مُريعًا وعظيمًا. وفي الأصحاح التالي نرى أن الكنيسة كلها في أورشليم تشتتت خارجًا «وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة، ما عدا الُرسل» (أع 8: 1). وإنه لأمر عجيب أن نفس الرجال، الذين أخبرهم الرب أن يذهبوا إلى جميع الأمم (انظر مت 28: 19، 20) نراهم - متأثرين بالأفكار اليهودية والارتباطات الوطنية - يمكثون في أورشليم. لذلك يقول الله ما معناه ”يجب أن أستخدم آخرين لينجزوا العمل، إذا أبيتم أنتم“. وهكذا دفع الرب إخوة أصغر نحو الشرق والغرب، شمالاً وجنوبًا، ليحملوا بشارة الإنجيل ـ إنجيل نعمة الله ـ للبعيد والقريب. وفي هذا يوجد درس عظيم لنا جميعًا.
فيلبس المبشر، يكرز بالمسيح للسامريين
في أعمال8: 5 نقرأ «فانحدر فيلبس إلى مدينة من السامرة، وكان يكرز لهم بالمسيح». قبل هذا، كان فيلبس قد تعيَّن شماسًا في أورشليم (انظر أعمال 6: 1- 6). كان شماسًا، وفي خدمته هذه كان يشترك في توزيع المبالغ المالية الخاصة بالكنيسة للاهتمام بأمر الفقراء. لكن بمجرد ما تشتتت الجماعة، توقفت واجباته، والآن في ممارسته للموهبة الروحية التي أعطاها له الرب (وليس الرسل) بدأ يكرز، ليس لأنه تخرّج من كلية لاهوتية أو جامعية، بل من حضن كنيسة الله، لأن «الذين تشمسوا حسنًا، يقتنون لأنفسهم درجة حسنة، وثقة كثيرة في الإيمان الذي بيسوع المسيح» (1تي 3: 13). وهكذا ”بدرجة حسنة“ لاسمه، انطلق فيلبس. لكنه كان يمتلك أيضًا موهبة نادرة. وقد تبرهن هذا في الأصحاح الثامن، وسجل الروح القدس ذلك في أعمال21 حيث دُعيَ بذلك الاسم الذي لا أعرف أي إنسان آخر دُعيَ به في العهد الجديد «فيلبس المبشر، إذ كان واحدًا من السبعة» (أع 21: 8). إنه لم يحصل على تلك الصلاحية والكفاءة الروحية بالتعيين الرسولي، أو بوضع الأيدي. لقد حصل على الوظيفة كشماس بتلك الطريقة (بوضع الأيدي). أما موهبته كمبشر فقد قبلها من رأس الكنيسة المرتفع والمُمجد، الرب يسوع، وقد خرج لممارستها، وكرز في السامرة ـ مدينة ناضجة للبركة. وقد كانت هناك نتائج رائعة. في وقت سابق قال الرب لتلاميذه بينما كان جالسًا خارج هذه المدينة «ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول، إنها قد ابيَّضت للحصاد» (يو4: 35). وقد كانوا مداومين على الحصاد منذ ذلك الحين. والآن يذهب فيلبس وهو مُمسك بالمنجل.
وآه! أي حصاد! تتذكرون أن «كثيرون آمنوا» بسبب كلام المرأة عن يسوع. كما «آمن به أكثر جدًا بسبب كلامه». والآن بواسطة كرازة فيلبس، آمن معظمهم بابن الله المبارك. كان هذا توضيحًا لكلمة الرب نفسه «الحق الحق أقول لكم، مَنْ يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي» (يو 14: 12). وهكذا «كان (فيلبس) يكرز لهم بالمسيح. وكان الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الآيات التي صنعها». لقد تحركت المدينة كلها بشهادة الروح القدس بواسطة المبشر. «لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة، كانت تخرج، صارخة بصوت عظيم. وكثيرون من المفلوجين والعُرج شُفوا. فكان فرح عظيم في تلك المدينة». إن هذا الرجل الغيور ـ ليس رسولاً، لكنه مبشر بسيط ـ تمكَّن بقوة الروح القدس أن يفعل ما نقرأ عنه هنا. لكن روح الله لم يسكن بعد في تلك المدينة. لقد كان موجودًا فقط في شخص ذلك الخادم. وبالرغم من أنه «كان فرح عظيم في تلك المدينة» بسبب قبولهم المسيح، إلا أن الروح القدس «لم يكن قد حَلَّ بعد على أحد منهم» (أع 8: 16).
قبول السامريين المؤمنين للروح القدس
«ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا». أعتقد أنها عبارة جميلة «أن السامرة قد قبلت كلمة الله». لقد كان اليهود يسعون بقوة لكي يجعلوهم يقبلون الناموس، لكنهم فشلوا تمامًا. كان ذلك هو السبب في أن «اليهود لا يعاملون السامريين». لكن ما قد فشل الناموس في أن يعمله، أنتجته نعمة الله السامية. لقد قبلت المدينة كلها الكلمة «وكان فرح عظيم في تلك المدينة». كان هذا واحدًا من انتصارات النعمة. وإذ سمعوا بذلك، أرسل الرسل من أورشليم؛ بطرس ويوحنا ـ عمودان في الكنيسة «اللذين، لما نزلا، صليا لأجلهم، لكي يقبلوا الروح القدس: لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحد منهم: غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذٍ وضعا الأيادي عليهم، فقبلوا الروح القدس» (أع 8: 14- 17). وهنا ينبغي أن تلاحظوا الاختلاف الواضح والمُميز بين هذا المشهد، وما حدث في أورشليم. هناك كان الأمر «توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس». وقد تابوا، واعتمدوا، وقبلوا الروح القدس. أما هنا، فبالرغم من أنهم قد آمنوا، واعتمدوا، لكن لم يكن أحد منهم قد قبل الروح القدس. لقد سمعوا بشارة الإنجيل، وآمنوا بها. لقد قدَّم فيلبس شهادة رائعة ذكر فيها شيئًا واحدًا فقط. فهو انحدر إلى المدينة «وكرز بالمسيح» ـ ذلك هو الطريق للوصول إلى النفوس. إذا كان البعض منكم مبشرين، ويريدون أن يعرفوا الطريق لربح النفوس، لنتعلم ذلك من فيلبس لأنه «كرز لهم بالمسيح». لا شيء أكثر، ولا شيء أقل، وكانت نتائجه باهرة. لكن رغم أن هؤلاء السامريين قد آمنوا بالإنجيل، وامتلأوا بالفرح، كما أنهم اعتمدوا باسم الرب يسوع، إلا أنهم مع كل ذلك، لم يكونوا قد قبلوا الروح القدس. لماذا هذا؟ أعتقد أن السبب ليس عسيرًا إذا بحثنا عنه، وهو يملأ القلب بالحمد والشكر، عندما نرى حكمة الله في ذلك الذي جرى.
عندما قابل ربنا المبارك المرأة البائسة عند بئر سوخار خارج السامرة، وابتدأ يتحدث إليها، فجأة قالت المرأة: «آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون، إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه». وقد أجابها الرب: «يا امرأة، صدقيني أنه تأتي ساعة، لا في هذا الجبل، ولا في أورشليم تسجدون للآب». بناءً على ذلك، فإن السجود سيكون من نوع جديد كُلية. إنه سيكون سجود للآب، بالروح، وبالحق كنتيجة لمعرفة المخلص السماوي، ولوجودهم على أساس سماوي، بقوة الروح. لقد كانت السامرة دائمًا في مركز المنافس الديني لأورشليم. كان «هذا الجبل» له سلطة وقبضة قوية على قلوب السامريين. والآن نفترض أنه كنتيجة لكرازة فيلبس وإيمانهم بالإنجيل، ونوالهم غفران خطاياهم، وبعد أن اعتمدوا باسم الرب يسوع، حَلَّ عليهم الروح القدس، فماذا ستكون النتيجة المُحتّمة؟ ستدوم المنافسة الدينية القديمة إلى الأبد. هذه هي الطبيعة البشرية حتى في القديسين، حتى أن الكنيسة في السامرة سترفع رأسها وتقول ”نحن الكنيسة السامرية“. لقد خلصنا، وقد قبلنا روح الله مثل أولئك الذين في أورشليم“. وبهذا فإن الحق المبارك الخاص بوحدة كنيسة الله الذي يشكل حضور الروح القدس، سيكون قد أُنكر عمليًا، وبالتالي أُحْبِطَ قصد الله، وكان قد تولد ذلك الذي للأسف، قد نبت منذ ذلك الوقت، وحمل مثل ذلك الثمر المُحزن ـ فكرة الكنيسة القومية أو الوطنية.
الكنيسة كجسد المسيح هي كنيسة واحدة
ولا حاجة لي أن أقول إن مثل هذه الفكرة، هي غريبة تمامًا عن الكتاب المقدس. كنيسة قومية؟! إلى أين تنتمي كمسيحي؟ بلا شك، تنتمي إلى السماء وليس للأرض. إن فكر الاستقلال قد قُتِلَ في مهده بحكمة إلهية كاملة. إن الله سوف لا يجعل روحه الذي هو رباط الوحدة في الكنيسة والقوة المُشكِّلة للكنيسة، أن يحل على المؤمنين السامريين إلى أن ينحدر الرسولان من أورشليم، ويربطا عمل الله هناك، بالعمل الذي كان فيلبس هو أداته في السامرة. إنهما أول كل شيء صليا لأجل التلاميذ، ثم وضعا أياديهم عليهم، فقبلوا الروح القدس. هذا العمل بسيط جدًا. كان الله يريد أن المؤمنين السامريين يفهمون أن ما كان يجري الآن بينهم، وكذلك العمل في أورشليم، هو عمل واحد. لقد أحدثته قوة واحدة ـ الرأس الواحد في المجد، وروح واحد على الأرض. كان الله يريد أن يعرّفهم، أنه سوف لا يسمح لأي شيء قد يؤثر على فكرة وحدة الكنيسة، ولذلك في حكمة إلهية، لم يحل الروح القدس، إلى أن ربط الرسولان بوضع الأيدي، بين العمل في السامرة، وذلك الذي تم قبلاً، وكان موجودًا في أورشليم
. هذا الدرس له نفس الأهمية لنا، مثلما كان بالنسبة لهم. إن كنيسة الله هي كنيسة واحدة. ونحن نعيش في زمن تكاثرت فيه الاختلافات بين المسيحيين المعترفين، حتى أن هناك مَنْ يُخبرنا أنه يوجد ما لا يقل عن ألف وثلاثمائة طائفة في دائرة الاعتراف المسيحي. ذلك الأمر عار ومُخجل بالنسبة للمسيحية المعترفة، وهو أيضًا عار ومُخجل للمسيحيين. إن ما أجده في الكتاب المقدس هو هذا «لأننا جميعنا بروحٍ واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد» (1كو 12: 13). كان ذلك هو الحق الذي أراد الله أن يؤكده في هذه المناسبة، لأن وضع الأيادي في الكتاب المقدس يحمل معه غالبًا فكرة التطابق والمُصادقة. وفي لاويين1، عندما يقدم الساجد مُحرقته، يضع يده على رأس المُحرقة لكي يتحد نفسه بأفضال وتفوق ذبيحة المُحرقة المُقدمة لله. وفي لاويين16 عندما أرسل هارون التيس المُطلَق، وضع كلتا يديه على رأسه، لكي يربط خطايا الشعب به. إنه هذا الارتباط والتطابق مع كنيسته، الذي كان موجودًا من قبل، هو الذي أراد الله أن يُظهره، بالكيفية التي قَبِلَ بها المؤمنون السامريون الروح القدس بطريقة تلفت الأنظار. لقد أتى الرسل وأظهروا أن الكنيسة واحدة، وأن الله لن يسمح بفكرة الاستقلال أن تخطر لحظة واحدة.
أعرف أن بعض المسيحيين يحاورون ويدافعون عن الاستقلال. على مثل هؤلاء أن ينظروا بعناية وبعُمق إلى هذا المشهد، لأنهم سوف لا يجدون مُصادقة لمثل هذه الفكرة، أو لمثل هذا المبدأ في كلمة الله، بل العكس. إن حق المسيحية العظيم هو الاعتماد على المسيح كالأساس، والارتباط المُتبادل ـ وليس الاستقلال ـ من جهة الكنيسة. ولذلك، فإن الرب هنا في الأيام الأولى للكنيسة، عَلَّم هذا الحق ـ أن الكنيسة واحدة، والله لا يشاء أن يكون هناك ”انشقاق في الجسد“. (يتبع)