في هذا الفصل نرى كيف أن نعمان بعدما طهر أراد أن يخدم إله إسرائيل. هذا درس مهم لنا. كمؤمنين، ينبغي أن تكون لنا الأشواق لأن نخدم الله الحي الحقيقي ونسجد له.
أ ـ نعمان يُظهر امتنانه بالحياة الجديدة
ماذا كان تصرف نعمان إزاء شفائه وتطهيره؟
لقد عاد لأليشع ليُظهر عرفانه بالجميل (ع 15). وفي هذا السياق هو يُشبه السامري في إنجيل لوقا 17 ـ هذا الغريب الجنس الذي رجع ليشكر الله بعد أن طهر من برصه. وهكذا ينبغي أن نفعل نحن كمفديي الرب. نعم، ينبغي أن نرتمي عند قدمي الرب ونُكرمه لأجل خلاصنا. وبعد أن نرجع إلى الرب، علينا أن نُظهر طاعة جديدة. وهذا ما نرى مثالاً له هنا. فلم يُبدِ نعمان أية كبرياء عند رجوعه إلى رجل الله. إنه لم يظل في مركبته كما فعل في الزيارة الأولى، بل دخل إلى منزل النبي. ثم إنه يتكلم عن نفسه بمنتهى الاتضاع إذ يخاطب أليشع قائلاً: «عبدك» ويقول: «إنه ليس إله في كل الأرض إلا في إسرائيل. والآن فخُذ بركة من عبدك» (ع 15).
لقد أقبل نعمان إلى معرفة الله الحقيقي، إله إسرائيل، خالق السماوات والأرض. لقد أدرك أن كل الآلهة الأخرى أصنام قاصرة عن أن تخلص (إش45: 20) وأراد أن يُظهر شكره لله، فقدم هدية لأليشع. لقد قدمها بنية حسنة، ولكن كان عليه أن يتعلم أن نعمة الله مجانية. وهذا المبدأ يصدق في انطباقه علينا أيضًا. نحن لا نستطيع أن نقدم شيئًا مقابل خلاصنا. فالخلاص مجاني في المسيح. فالبركة الحقيقية هي فقط من فوق، وتتهاطل علينا من عند أبي الأنوار. لعل هذا يفسر لماذا رفض النبي بإصرار أن يأخذ أجرة. إنه كان فقط خادمًا لله الحي، ولا يستطيع أن يحصل على شيء مقابل إجراء هذه المعجزة. وبرغم أن نعمان ألَّح على النبي، إلا أنه رفض بإباء (ع 16). وهذا المبدأ نافع لنا أيضًا: «مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا» (مت10: 8). إنه مفهوم فاسد أن نظن أو نفترض أن التقوى أو خدمة الرب وسيلة للكسب (1تي6: 5). هكذا كان جيحزي الذي للأسف ضلَّ عن طريق الحق كما سنرى.
ب ـ العيشة في حضرة الله
كان قلب نعمان بعد تطهيره موضوعًا على الطريق الصحيح. فمهما كان من أمر، فهو الآن يريد أن يخدم إله إسرائيل. فرغم أنه لم يستطع أن يدفع مقابل للنبي لحصوله على التطهير، إلا أنه الآن يطلب منه شيئًا. لقد أراد نعمان أن يبدأ حياة جديدة.
وهذا ينطبق علينا أيضًا. فبعد أن نُقام مع المسيح إلى الحياة الجديدة، ينبغي أن نسلك في الأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدَّها لنا (أف2: 10) وهكذا أصبحت رغبة رئيس جيش أرام هي أن «يُعطَى حمل بغلين من التراب لأنه لا يقرِّب .. بعد مُحرقة ولا ذبيحة لآلهة أخرى بل للرب» (ع 17).
وفي هذا نرى برهانًا واضحًا على تغيير نعمان، ثمرة جميلة للحياة الجديدة التي قبلها. عندما رجعنا إلى الله من الأوثان، فإن رغبتنا من تلك اللحظة هي أن نعبد (نخدم) الله الحي الحقيقي (1تس1: 9) وينبغي أن نعبده (نخدمه) وفقًا لمشيئته المُعلنة على أُسس تتجاوب مع قداسته. تمامًا كما أراد نعمان أن يعبده على تراب نقي.
ربما أراد نعمان أن يبني بحِمل التراب «مذبحًا من تراب» للرب ليقدم عليه محرقاته وذبائح السلامة (خر20: 24). وهكذا تصرف الآباء قديمًا. فكثيرًا ما كانوا يبنون «مذبحًا من تراب» كما نرى في سفر التكوين.
إن عبادة الله الحي الحقيقي تتمثل في سجودنا الشخصي، وفي سلوكنا الشخصي، وأيضًا في سجودنا الجهاري. هل لنا مثل هذا المذبح لكي ندعو عليه باسم الرب؟ كمؤمنين لنا مذبح كما يُخبرنا صراحة عبرانيين13: 10 ولكنه ليس مذبحًا حرفيًا من تراب أو نحاس أو ذهب أو شيء من هذا القبيل، بل هو مذبح رمزي نعرفه في ضوء الكلمة. لنا مكان نتقابل مع الله فيه. وبتعبير أدق:
لنا شخص نقترب من خلاله إلى الله. فالمسيح نفسه هو مركز سجودنا، وبه لنا قدوم إلى الآب وحرية للدخول إلى الأقداس (عب10: 19، 13: 15).
هل نحن نعبد الله بقلب شاكر، فرديًا ومع الآخرين؟ هل نقترب إليه باعتبارنا كهنة؟ هل نقدم ذبيحة التسبيح لله، أي ثمر شفاه مُعترفة وشاكرة لاسمه؟ هل نُدرك أنا مدينون بتطهيرنا له وحده؟
جـ ـ العيشة بالانفصال عن مُشاكلة أهل العالم
إن العيشة في محضر الله سوف تعترضها بالتأكيد مصاعب. لأننا لا يمكن أن نخدم كلاً من الله والعالم. فضلاً عن أن أهل العالم سوف لا يتركوننا لنتبع الرب بدون مقاومة. وهذا ما حدث مع نعمان. لقد أدرك نعمان مشكلته منذ البداية، وقد صرَّح بها لأليشع بكل أمانة (ع 18). فسيده ملك أرام قد يظل عابدًا للأوثان. وعند دخوله لمعبد الوثن قد يستند على ذراع نعمان عبده عند سجوده لإلهه (2مل5: 18). فهل يصفح الرب عنه إذا انحنى أمام رمون كجزء من واجبات وظيفته؟
لم يُعطِهِ أليشع إجابة، ولكنه قال له ببساطة: «امضِ بسلام» (ع 19). لم يكن ذلك يعني أن أليشع يصادق على مثل هذا التصرف. فمن المستحيل أن يعبد كلاً من الله ورمون، حتى لو كان السجود لهذا الأخير جزءًا من التقاليد. فالله لا يريد أن يكون أحد المؤمنين في شركة مع الأوثان (1كو10: 14). ولكن أليشع كان مقتنعًا أن الله سوف يحل هذه المشكلة في وقته وبطريقته الخاصة. ولذلك طمأن ذهن نعمان، ومن ثم ذهب نعمان في طريقه فرحًا، الأمر الجميل الذي ذُكر عن الخصي الحبشي في يومه (أع8: 39)، ولا يستطيع أحد أن ينزع السلام الذي وجده نعمان.
وهكذا كانت إجابة النبي الحكيمة. فالناس الذين رجعوا حديثًا إلى الله، ينبغي ألا نربكهم بنير، هو عبارة عن قائمة طويلة من الأحكام والنواهي، بل ينبغي أن يتعلموا أن يسيروا بالإيمان. الله نفسه سوف يقودهم في سبيل البر من أجل اسمه. وهو سوف يعلمهم الحل لمشاكلهم.
كان رمون هو إله سوريا وأشور. وكانوا يسمونه إله الرعد. وهو نفسه الإله هدد الذي منه اشتق الاسم بن ـ هدد. وأحيانًا كان يُذكر الاسمان معًا كما في زكريا12: 11 حيث يذكر هدد رمون.
(يتبع)