وجه الرب الإله هذا السؤال إلى آدم، بعد ما أخطأ بأكله من ثمر الشجرة، التي أوصاه بألا يأكل منها، وكان آدم مختبئًا وسط الأشجار، لأنه استحى من الرب الإله بسبب عريه. وإذ أقر آدم بعريه، فقد اتخذ الرب من إقراره هذا (لأني عريان) بابًا للدخول في حديث معه، ليبدأ بعلاجه من النقطة التي أوصلته إليه الخطية، من عري ليستره، وليرفعه من حالته المتدنية إلى حالة أسمى ومقام أعظم.
وهذه طرق الله في معاملاته بالنعمة لعلاج النفس الخاطئة، حيث أنه:
أولاً: يجعلها تكتشف حالتها التي آلت إليها نتيجة الخطية، »لأني عريان« (تك3: 10).
ثانيًا: يضع إصبعه علي موطن الداء، وهو الخطية، »هل أكلت؟« (تك3: 11).
ثالثًا: يعطي الدواء للعلاج، وهو شخص المسيح، ”نسل المرأة“ (تك3: 15). وهذا ما فعله الرب مع المرأة السامرية (يو4: 1-26) حيث أنه:
أولاً: جعلها تدرك حقيقة حالتها إذ شعرت بالعطش الروحي، رغم أنها شربت كثيرًا من مياه (ملذات) العالم ولم ترتوِ (يو4: 15).
ثانيًا: أشار إلى ضربة قلبها »قال لي كل ما فعلت« (يو4: 29).
ثالثًا: قدم لها العلاج، وهو شخصه »أنا الذي أكلمك هو« (يو4: 26). وبهذا غيّر الرب مجرى حياتها، من حالة النجاسة إلى حالة القداسة، وبدل مقامها من الانحطاط إلى المقام السامي.
هذا ولأول وهلة يتبادر إلى أذهاننا هذا السؤال: لماذا قال الرب الإله لآدم: »من أعلمك؟« ولم يسأله ”كيف علمت؟“ أو ”ما الذي أعلمك؟“، رغم أنه لم يوجد في الجنة مع آدم شخص آخر سوى حواء، وكانت في نفس حالته المذرية. ترى هل كان الرب الإله يجهل هذا؟ حاشا؛ لكننا نرى أنه أراد من قوله: »من أعلمك؟« ما يأتي:
1. حفظ الواقعة، وإثبات الحالة التي صار عليها آدم وحواء من عري بسبب الخطية.
2. أن يكشف تأثير الخطية على كل من آدم وحواء (تك7:3)، فنجد أنه:
أ) انفتحت أعينهما>وهذه أول نتيجة.
ب) علما أنهما عريانان> وهذا أول اكتشاف.
ج) خاطا أوراق تين > وهذا أول عمل.
د) صنعا لأنفسهما مآزر> وهذا أول اختراع.
وإن كان ممكنًا لهذه المآزر أن تستر كل واحد منهما أمام نفسه، وأيضًا أمام الآخر، لكنها لا يمكن أن تسترهما أمام عينيَ الله الذي »يكشف العمائق من الظلام« (أي12: 22)، وهذا كله آل بآدم وحواء إلى الخوف من الله، والبعد عنه.
3. أن يضع آدم أمام الوصية التي أوصاه بها ولكنه كسرها، فيحكم على نفسه.
4. أن يوقظ ضمير آدم المشتكي عليه، لكى يقوده إلى التوبة.
وأمام هذا السؤال »من أعلمك؟« وتذكير الله له بالوصية التي أوصاه بها، كان يجب على آدم أن يقر بخطيته ويعلن توبته، إزاء نعمة الله، التي تجلت في تنازله بمجيئه إليه والحديث معه.
لكن وبكل أسف لم يُجب آدم على سؤال الرب الإله له »من أعلمك؟« وكان يجب عليه أن يتجاوب مع الرب الإله قائلاً: ”يا رب لم يخبرني أحد بأنني عريان، لكنني علمت هذا عندما كسرت وصيتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتني بألا آكل منها، فانفتحت عينيَّ وعلمت بعريي وعاري، وأنا استحق حكم الموت، ولكن الآن أعلن لك توبتي وندمي، وإذ أحتاج للكساء والستر، فإنني الجأ إليك وأحتمي بك، يا من تنازلت بنعمتك وأتيت إلىَّ“.
وهكذا لم يجتهد آدم ولو بالتفكير في الخروج من حالته المتردية نظرًا لفعلته المتدنية، بل وصل إلى حالة الفشل واليأس من علاج نفسه، لأنه وإن كان قد عرف حقيقة نفسه عندما تعرى، لكنه لم يدرك ما هو الله في ذاته ولا »غنى نعمته« (أف2: 7).
لكن وإن فشل آدم في علاج نفسه، ولم يسلك طريق التوبة، لكن الله لا يفشل، لذلك يستمر الله في الحديث معه، حتى يصل به إلى حالة الستر من عريه، والعلاج لنفسه البائسة، إذ »صنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما« (تك3: 21).
وها يد الله المحب ممتدة إلى كل نفس قد جردتها الخطية من كل كساء يكسوها ومن كل ستر يسترها، ليحتويها بنفسه، ويلبسها ”الحلة الأولى“ (لو15: 22)، والتي تشير إلى شخص المسيح، فتتغني مع إشعياء بالقول: »فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر« (إش61: 10)، وبهذا تتمتع بالخلاص الكامل من دينونة الخطية وعقابها »إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع« (رو8: 1)، فتعال الآن واكشف نفسك أمام الله، واعترف له بخطاياك لأن »من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم« (أم28: 13)، فتقول مع المرنم:
أنت بر لي وسـتر
من كل خزي معيب |
|
قد محوت كل إثمي
يا لحبـك العجيـب! |