أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
يُحدثنا إنجيل يوحنا عن ”الابن الوحيد“ الذي أعلن لنا الآب. هذا هو خلاصة إنجيل يوحنا (يو١: ١٨؛ ١يو٤: ٩). ويذكر البشير في آخر الإنجيل الغرض من كتابته، إذ يقول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يو٢٠: ٣٠، ٣١). وإذا كانت البشائر الإزائية الثلاث رَكَّزَت على الأعمال التي قام بها الرب يسوع، فقد رَكَّزَت هذه البشارة على الرب نفسه، في إلوهيته وأزليته وأقنوميته، وأيضًا باعتباره الحياة الأبدية، تلك الحياة التي يمنحها لكل مَن يُؤمن به. فالمسيح بحسب إنجيل يوحنا مُقدَّم لنا باعتباره ”ابن الله“، وتؤكد ذلك ديباجة الإنجيل التي يؤكد فيها البشير على لاهوت المسيح؛ فهو ”الأزلي“، وهو ”الكلمة“، ”الله“، وهو ”الخالق“، و”فيه كانت الحياة“، وهو ”النور الحقيقي“، وهو ”الابن الوحيد“ الذي هو في حضن الآب، ولكنه صار جسدًا وحلَّ بيننا (يو١: ١-١٨). وهذا الكتاب: ”دراسة في إنجيل يوحنا“ هو جزء من سلسلة ”دراسة في“ وهي شرح لأسفار العهد الجديد لرجل الله الفاضل ”ف. ب. هول“، أحد خدام الرب في منتصف القرن العشرين. وهو يُعتبر بحق أحد عطايا المسيح لكنيسته، إذ أنه مُعلِّم مُقتدِر في الكتب، وقد أعطاه الرب بصيرة ثاقبة – يندر أن تجد نظيرها – في فهم كلمة الله؛ وكمعلم موهوب كان يعرف أن يصيغ فكرته بسهولة ويُسر. وتتميز كتاباته بصفة عامة بالاختصار والشمول. فهو من الناحية الواحدة يصل إلى فكرته من أقصر الطرق، دون إطالة لا لزوم لها. كما أنه عادة لا يتجنب أية معضلة في الأصحاح إلا ويتحدث عنها ويشرحها بتمكُّن. والكتاب في ٢٣٨ صفحة وبالإضافة إلى هذا الكتاب ”دراسة في إنجيل يوحنا“ فقد صدر من هذه السلسلة: (١)دراسة في الرسائل المبكرة في ٢٧٨ صفحة (٢)دراسة في رسالتي التبرير في ١٧٧ صفحة (٣)دراسة في الرسائل الجامعة في ٢٤٧ صفحة (٤) دراسة في رسائل السجن في ١٧٨ صفحة (٥) دراسة في الرسائل الراعوية في ١٠٣ صفحة (٦) دراسة في رسالة العبرانيين في ١٢٥ صفحة (٧) دراسة في سفر الرؤيا في ١٧٤ صفحة (٨) دراسة في إنجيل متى في ١٧٢ صفحة (٩) دراسة في إنجيل مرقس في ١٣٦ صفحة (١٠) دراسة في سفر أعمال الرسل في ١٦٠ صفحة والكتب متوفرة في مكتبة الإخوة نشجعك على اقتنائها وقراءتها.
 
 
عدد سبتمبر السنة 2023
امْرَأَةٌ كَانَتْ خَاطِئَةً
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

واحدة من أجمل ملامح إنجيل لوقا هي الطريقة التي يُصوِّر بها الرب يسوع باعتباره نصير ومُخلِّص المنبوذين والمظلومين المُضطهَدين، وكمَن هو الشخص الوحيد الذي يُمكنه استعادة الكرامة الإنسانية الحقيقية للرجال والنساء الذين – لسبب أو لآخر - تشوَّهت حياتهم، وتردت في الحضيض، فرفضهم المجتمع ولفظهم، ولربما اضطهدهم أيضًا.

وكثيرًا ما لُوحِظ وصف المسيح بأنه «مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (لو٧: ٣٤)، وكان المقصود - من قِبَل أعدائه - توجيه اتهام خطير لأمانته واستقامته! ولكن هذا الوصف أصبح في أعين المؤمنين المسيحيين كواحد من أعظم أمجاده. ولكن المصطلح الثاني الذي استخدمه لوقا؛ «الْخُطَاة»، هو تعبير مُخفَّف، ونستطيع أن نُدرك ذلك إذا ما قارنا بين العبارة الواردة في إنجيل لوقا (لو٧: ٣٤)، وبين العبارة المُماثلة في إنجيل متى ٢١: ٣١ «إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ». وإذا استخدمنا التعبير المألوف المُخفَّف؛ «الْخُطَاة»، ولم نستخدم الوصف المكروه؛ «الزَّوَانِي»، في اتهام الرب بأنه «مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ»، لكانت العبارة تبدو مقبولة في آذان المسيحيين، بينما الوصف الآخر؛ ”الزَّوَانِي“ قد يجده المسيحي التقي، مُنفرًا. ولكن كان ذلك هو القصد – بالطبع – أصلاً. فالعبارة لم تُصاغ هكذا في مجتمع متسامح منفتح، ولكن أولئك الذين استخدموها، من البداية، قصدوا أن يُبينوا ما اعتبروه إساءة للسلوك الطيب، وللاعتبارات الأخلاقية، فضلاً عن المعايير الدينية المتشددة، السائدة في ذلك الوقت. بل واعتبروا الأمر إهانة من أشد الإهانات والمساوئ التي تُقدَّم باسم الله والديانة الصحيحة! فهؤلاء الذين قالوا ذلك، اعتبروا المسيح مُخادعًا، وزادت شكوكهم إذ لاحظوا نوعية النساء اللواتي سمح لهن الرب أن يتبعوه في جولاته التبشيرية (لو٨: ١-٣).

كانت منهن – على سبيل المثال - «يُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ»، وكان بلاط الهرادسة سيء السمعة بسبب معاييره الأخلاقية المُنحلة. وأية امرأة من هذه الخلفية كانت موضع الشكوك والريبة في نظر اليهود المتدينين المتشددين. وأيضًا كانت هناك «مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ»، التي جاءت من أدنى المستويات، فهي «الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ» (لو٨: ٢). وكيفما كان ما تعنيه هذه العبارة، فإنها تُشير إلى أن ماضيها كان شريرًا بما يفوق الوصف. فإذا كان ”رجلٌ جذاب في ريعان شبابه“ قائدًا لمجموعة من النساء المُخلصات، اللواتي كانت حياتهن الماضية غير أخلاقية، فليس من الصعب للشخص المُتشدِّد دينيًا أن يُفكر هكذا.

وسيكون من غير الواقعي التغاضي عن الأسباب التي جعلت انتقاداتهم للمسيح تبدو مُبرَّرة تمامًا. فالعالم قديمًا، شأنه شأن العالم الحاضر، كان مُلمًا جيدًا بالجماعات الدينية التي جعلت الدين قناعًا رقيقًا تتنكر خلفه انحرافاتهم الجنسية، وإن كان عالمنا الآن أكثر إلمامًا بذلك في الوقت الحاضر. ومن المؤكد أننا لو سألنا المسيح: لماذا ترتبط بهاتيك النسوة، لكان أخبرنا – تبارك اسمه – أنهن تحوَّلن عن حياتهن الشريرة. ولكن هذا ما كان الفريسيون يعارضونه، ويُنكرون صراحة إمكانية وجود اختبار تغيير فجائي، يُحوّل تلك النسوة إلى جماعة مناسبة لرفقة أي رجل، ناهيك عن كون هذا الشخص نبيًا،

وكان هناك لغز باقٍ! فالرب يسوع قد طالب في كرازته العلنية بمعايير أخلاقية أعلى مما طالب به أي شخص من قبل. وأيضًا أدان الفريسيين صراحة، لعدم محافظتهم على هذه المعايير. لقد كانوا راضيين – كما قال الرب - بمجرد احترام شكلي خارجي، بينما هم - طوال الوقت – مذنبين بالفساد الخلقي الداخلي «فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ. .... قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (مت٥: ٢٠، ٢٧، ٢٨).

ترى ما الذي كان يظنه المرء عن يسوع؟ هل كان مُخلِّصًا وجادًا؟ لقد بكَّت تعليمه أكثر الناس تقوى وورع، على الخطية. فهل كان هو نفسه بلا خطية؟! هل كان نبيًا؟! وماذا عن الشخصيات التي يدور حولها تساؤلات، والتي تُرى كثيرًا في معيته؟!

كان في ذهن شخص فريسي اسمه سمعان مثل هذه الأسئلة. وكان قد دعا الرب يسوع ليأكل معه في بيته. وقد ظن أن الحديث على المائدة قد يُعطيه الفرصة لتقييم الرب يسوع عن قرب. وبينما كانت المأدبة تتقدم، إذا بالباب ينفتح، لتتسلل امرأة بضمير مُثقل مُتعَب، وتتقدم لتقف عند قدمي المسيح، الذي كان متكئًا على المائدة، بالطريقة الشرقية.

وفي الحال انزعج سمعان وهو يعلم أن هذه المرأة واحدة من الشخصيات المزعجة المشهورة بسوء السمعة في البلدة. وعادة لا يُسمح لمثل هذه الشخصيات بالدخول إلى بيت. ولكن سمعان بُوغت إذ رأى ما حدث بعد ذلك. فهي وقفت وراء الرب يسوع مباشرة، وانحنت على الأرض عند قدميه، وبدأت تبكي صامتة. كانت قريبة من المسيح، لدرجة أنها إذ بكت تساقط بعضًا من دموعها على قدميه، وإذ خجلت وارتبكت، أمسكت بشعر رأسها الطويل المسترسل، وحاولت أن تمسح الدموع عن قدميه.

وكان أعجب ما رآه سمعان أنها قبَّلت قدميه. وأخيرًا أخرجت قارورة طيب من طيات ثيابها، ودهنت قدميه بالطيب. وقد حدث كل ذلك بسرعة مفاجئة. وكان ردّ الفعل الأول المُتوَّقع من سمعان أن يأمر خدمه بأن يبعدوها على الفور. ولكن إذ تردد سمعان في ذلك، وجدها وقد أمسكت بقدمي المسيح! ضبط سمعان نفسه، متوَّقعًا انفجارًا غاضبًا من المسيح. ولكن – لدهشته – لم يقل المسيح شيئًا! وفي الواقع لم يبد المسيح أية إشارة تفيد بأن شيئًا غير عادي قد حدث. وهكذا مضت المأدبة في مسيرها.

ولكن الحديث توقف، لأن سمعان داهمه تفكير عميق. ويوضح لنا البشير لوقا الأمر فيقول: «فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلاً: لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». وبهذه الكيفية رأى سمعان الأمور: هذا الشخص ليس نبيًا، ليدعي أنه يتكلَّم بلسان الله، لأنه لو كان نبيًا حقًا لما كان سمح لامرأة خاطئة أن تلمسه، وأهم من كل شيء أن الله لا يسمح بذلك!

وبالنسبة لهذه العبارة الأخيرة، فإن سمعان يبدو على صواب، فالكتاب المقدس يُعلن بغير إبهام أن لا شيئًا نجسًا يدخل في محضر الله «لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا» (رؤ٢٢: ١٥). فالسماء لن تكون كالمكان الملوث الشرير الذي أصبحت عليه الأرض.

ولكن كان في تفكير سمعان نقطة عمياء غريبة الشأن. لقد دعا المسيح إلى بيته، وهو يظن – كما يبدو له – أنه لو كان المسيح نبيًا، وقَيِلَ دعوته، فإن بيته حتمًا يكون طاهرًا ومُقدَّسًا، للحد الذي يسمح لاستقبال نبي الله. لقد افترض بدون تفكير أن بيته هكذا. هو لم يدعِ أنه بلا خطية، ولم يصل فكره لهذا الحد. ولكنه فهم أنه مختلف عن هذه المرأة. فهي خاطئة، وسلوكها سيء. إن خطاياه ليست من نفس نوع الخطايا السيئة التي لا يمكن للناس المحترمين المهذبين أن يرتكبوها. ومع أنه لا يمكن لأحد أن يصف الخطية بأنها حسنة، إلا أن خطاياه – في رأيه – ليست سيئة إلى الحد الذي يجعل بيته مكانًا غير لائق لنبي الله العلي.

درجات الخطية

رن صوت الرب يسوع عبر المائدة، وبدأ بسمعان: «يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فأجاب سمعان قائلاً: «قُلْ، يَا مُعَلِّمُ». فواصل الرب يسوع: «كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ» (لو٧: ٤٠، ٤١). واختار المسيح عمل مقارنة تماثلية مناسبة، فوصف الخطية بأنها دين. ولو كان رجل مديونًا بخمسة ملايين من الجنيهات الإسترلينية، وهو لا يقدر أن يُسدد، فإنه يكون مُفلسًا. ولكن لو كان رجل آخر مديونًا بخمسة جنيهات إسترلينية، ولا يقدر أن يُسدد أيضًا، فإنه يكون مُفلسًا أيضًا، وليس أقل إفلاسًا عن الأول. نعم لا توجد مقارنة من حيث مقدار الدين، ولكن مبدأ الإفلاس هو نفسه بالنسبة لهما. فإذا كانت الخطية تُشبه الدين، فبالتأكيد أن رذائل الإنسان الخاطئ اللاأخلاقي تجعله مُفلسًا أمام محكمة ناموس الله. ولكن عندئذٍ فإن خطايا الرجل المحترم لا تجعله أقل إفلاسًا.

نحن نميل – في الحقيقة – إلى تصنيف الخطايا المختلفة في مستويات. ورغم أن هذا مُقنع في رأي الناس، ولكن في الحقيقة أنه من الأرجح جدًا أن فئات الخطية في نظر الله تختلف كثيرًا عن فئاتنا. وبالرغم من ذلك فإننا نعرف جميعًا ما نقصده حينما نصف بعض الخطايا بأنها دنسة. وهذا الوصف يخدم أغراضًا نافعة من ناحية التعاريف العملية، ولكن يجب أن نأخذ جانب الحذر، لئلا يجعلنا هذا التمييز العملي، نفترض – بدون وعيٍ كافٍ – أن الخطايا غير الدنسة تُعتبر - بشيء من المعنى – نظيفة؛ وهي الفئة التي نُفضّل أن نَصْف غالبية خطايانا أنها من هذا النوع! ولكن لا توجد خطايا نظيفة، فكل الخطايا تُنجّس. ونحن نُقرّ بأن نطفة صغيرة من الرماد تختلف عن طن من الرماد. ولكن الفرق فقط في الكمية. أما من حيث النوعية والطابع العام والصفات، فإن هذه النطفة تماثل تمامًا طنًا من الرماد. قد تقول إن الخطايا التي من النوع الجنسي هي بالتأكيد لا تجعل الشخص مؤهلاً لمحضر الله. ولكن لا يوجد أي نوع من الخطية يؤهل الشخص لمحضر الله. فكل الخطايا خاطئة بالمعنى الصحيح للكلمة.

«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ» (ع٤١). لقد قال المسيح هذا المَثَل، لأنه يبدو أن سمعان كان قد سبق وأجرى مقارنة في داخل نفسه، لتقييم الخطية. ولكم من الواضح الآن أنه قد جاء دور المسيح ليعمل المقارنة. كانت مقادير الدين على المديونين مختلفة، ولكن كليهما بالضبط كانا متشابهان في هذا الأمر؛ لا أحد منهما يقدر أن يُسدد شيئًا. كان كلاهما مُفلسين على حد سواء. وفي الحقيقة يبدو سمعان كما لو كان بحاجة إلى درس مفيد عن عدم إدانة الآخرين، كما لو كان المَثَل يقود إلى التوبيخ المعروف: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا» (مت٧: ١؛ لو٦: ٣٧). ولكن عند هذه النقطة تحوَّل المَثَل تحوَلاً غير متوَّقع، ومضى إلى اتجاه آخر مُخالف تمامًا.

«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» (ع٤١، ٤٢). كان سمعان جاهزًا للإجابة. فهو ماهر في عمل المقارنات. وبالطبع إذا ركزت ببساطة على الديون، ستكون المسألة بالضبط هي أن الدين الأكبر هو الأخطر. ولأن الطريقة الوحيدة للتخلّص من الدين – كما يحدث عادة في عالم المال والتجارة – هي أن ترده؛ فكلما كان الدين كبيرًا، كان الأمر عسيرًا على المديون، وكان عليه بذل الجهد الأكبر ليمحو الدين.

ولكن إذا كنت مزمعًا أن تُدخِل في الموضوع دائنًا رحيمًا وكريمًا، بصورة تفوق المعتاد، حتى أنه مُستعد أن يُسامح الدين، ويمحوه تمامًا، بدون أن يطلب من المديون أن يُسدّد شيئًا، إذًا فمن الواضح أن المديون الذي كان عليه الدين الأكبر هو الذي سيشعر بالارتياح الأقصى لعدم تكبده شيئًا. وهو بالطبع سيُبدي الشعور الأكبر بالعرفان والامتنان نحو الدائن. وهكذا فعندما سأل الرب: «أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟»، أجاب سمعان «أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ» (ع٤٣). وكانت إجابته صائبة تمامًا.

دافيد جودنج

من كتاب “نوافذ على الفردوس”