«اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ. ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضاً رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا. أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِي عَلَى ظُهُورِ أَعَالِي الْمَدِينَةِ: مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا. وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ قَالَتْ لَهُ: هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا. اُتْرُكُوا الْجَهَالاَتِ فَتَحْيُوا وَسِيرُوا فِي طَرِيقِ الْفَهْمِ» (أم9: 1-6).
في سفر الأمثال 8: 22-36، وبألفاظ غاية في الجمال والجلال، تُستحضر الحكمة أمامنا كمثال لشخص الرب يسوع. ولكن في الأصحاح التاسع يتكلَّم الوحي عن الحكمة بصفة المؤنث، ويرمز إليها بامرأة. لماذا؟ لأن الحكمة في الأصحاح التاسع لا تُشير إلى شخص الرب يسوع المسيح «الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ» (1كو1: 30)، بل بالحري تُشير إلى الكنيسة، التي يجب أن تخضع للمسيح، والمكوَّنة من أفراد قديسين، وهؤلاء القديسون يُسخِّرون الحكمة الممنوحة، لهم ليكونوا شهودًا أمناء في عالم تركه الرب يسوع، ليأخذ مكانه عن يمين الله في المجد. وبينما الرب نفسه هو البنَّاء العظيم، فإن 1كورنثوس3: 9، 10 يخبرنا أن المؤمنين بنَّاؤون أيضًا في توافق معه.
«اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا».. والأعداد الستة الأولى من هذا الأصحاح، تصوّر لنا صورة رائعة عن طريقة انتشار إنجيل نعمة الله بواسطة المؤمنين، الذين جالوا يبشرون بالكلمة (أع8: 4). ففي سفر الأعمال نرى “الحكمة تبني بيتها”؛ قديسو الله يجتمعون معًا، ولهم قلبٌ واحدٌ ونفسٌ واحدةٌ، في وحدة غالية جذبت الآخرين ليتمتعوا بها (أع4: 32- 35).
«اَلْحِكْمَةُ... نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ» .. والأعمدة السبعة التي نحتتها الحكمة تُرى واضحة في رسالة يعقوب3: 17 «وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ».
أما لماذا يستخدم الوحي كلمة «نَحَتَتْ»؟ فذلك لأن هذه الصفات ليست فينا بالطبيعة، بل تحتاج، من جانب المؤمن، إلى اجتهاد وتدريب جاد وعمل دؤوب لتظهر في حياة المؤمن.
أما عن كونها «أَعْمِدَة» فذلك يُشير إلى جاذبيتها للناظرين.
«اَلْحِكْمَةُ... ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا».. هذا يعني أنها مهتمة بتقديم حاجة النفوس. فما هو هذا الطعام؟ إنه يذكرنا بذبيحة ربنا يسوع المسيح، والتي تشير إليه كل ذبائح العهد القديم. وهكذا فإن الكنيسة لديها أخبار مُفرحة وعجيبة عن الغفران والفداء الأبدي بواسطة هذا الذبيح المبارك.
«اَلْحِكْمَةُ... مَزَجَتْ خَمْرَهَا».. والخمر الممزوجة يشير إلى قيمة وغلاوة دم المسيح الثمين، والذي يضمن فرحًا طاهرًا للمؤمن وإن كان قد كلف المسيح آلامًا لا يُنطَّق بها.
والخمر الممزوجة تحدثنا أيضًا عن الفرح الذي يُظهره القديس، عندما يجتاز في ألم أو عندما يسحقه ضيق، تمامًا كالعنب الذي يُعصَّر فتنتج الخمر المُفرِّحة لقلب الإنسان (مز104: 15). والمؤمن في ذلك يتبع مثاله الأعظم: شخص الرب يسوع الذي اعتصره الألم، ليستحضر لنا الأفراح الحقيقية.
«اَلْحِكْمَةُ... أَيْضاً رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا».. والمائدة المُرتبة تحدثنا عن الإعداد التام والكافي لشبع كل نفس جائعة تؤمن بالمسيح كخبز الحياة. ويالها من وليمة عظيمة ومدهشة رتبتها الحكمة للمدعوين الكثيرين! فمن بين أطباق المائدة نستطيع أن نتذوق: الغفران، والفداء، والتقديس، والحياة الأبدية، وأكثر من ذلك كثيرًا.
«اَلْحِكْمَةُ... أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا».. وها هي الحكمة تُرسل رسلاً بأخبار الإنجيل السارة لكل مَن يقبلها. يا ليتنا نكون ”جواري الحكمة“، فنذهب لندعو الجهال (البسطاء)؛ أولئك الذين لم يتمتعوا بالحكمة، ليأتوا ويقبلوا مجانًا بركة الله العظمى.
ل. م. جرانت