عندما يطلب الرب طلبًا أو يأمر أمرًا ¬فإن كل ما يريده من المؤمنين هو طاعة من القلب (رو6: 17). لكن على الرغم من ذلك فإن البعض يؤجل طاعته لوقت لاحق والآخرين يرفضون ولا يطيعون ويبررون عصيانهم بأعذار واهية. أما إيليا فلم يكن من هؤلاء الذين يؤجلون، ولا من أولئك الذين يعتذرون، فلم يبحث إيليا عن أعذار يسوقها - حتى ولو بدت منطقية - تصرفه عن الطاعة, بل قرر أن يطيع من القلب.

كان بإمكان إيليا أن يعتذر بسبعة أعذار إن أراد أن يستعفي من المأمورية المكلف بها من قبل الله، ألا وهي الذهاب لصرفه التي لصيدون, وإليك الأعذار.

1. كان عليه أن تعوله امرأة: وهل من السهل عليه كرجل شرقي أن يقبل أن تعوله امرأة؟ كان بإمكانه أن يقول: ”كيف تقبل يا رب أن تقوم امرأة بإعالتي، وأنا رجل بكامل قوتي؟ لا لن أذهب أبدًا. لا يمكن أن يحدث هذا الأمر“.  لكن مثل هذه اللغة لم تكن لغة إيليا علي الإطلاق، فإن كان في يوم لاحق لزمان إيليا قَبِل رب الكل، على نفسه، ذاك الذي غناه لا يستقصى، أن نساء كثيرات يخدمنه من أموالهن (لو8: 3)، فهل من الصعب على خادمه أن يقبل ذلك؟

2. ليست فقط امرأة ولكنها أرملة: فإن كانت المرأة صورة للضعف، فإن الأرملة تعبِّر عن أشد حالات الضعف، فهي تحتاج إلى من يعولها لا إلى من تعوله.  أ لم يوصِ الكتاب بافتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم (يع1: 27)؟  أ لم يوصِ بولس باللواتي هن بالحقيقة أرامل (1تي5: 3, 16)؟  إذًا كان من الممكن أن يعتذر إيليا قائلاً: ”أرسلني كيفما شئت، لكن لامرأة متزوجة“ أ لم يحدث هذا مع أليشع الذي كان يتردد علي شونم فأمسكته المرأة العظيمة الشونمية ليأكل خبزًا، وبالاتفاق مع زوجها صنعت له علية على الحائط. لكن إيليا لم يناقش, فأمور الله لا تقبل النقاش، بل يجب أن تُقْبل بكل خضوع.

3. أنها أرملة فقيرة: والأرامل أنواع. فهناك أرملة ميسورة الحال، ربما كان من نصيبها إرث كبير بعد موت زوجها, ولكن الأرملة التي نحن بصدد الكلام عنها، كانت في أشد حالات الفقر والعوز فهي ليست ميسورة الحال كالشونمية.  لكن هل اتخذ إيليا من فقرها عذرًا يستعفي به؟ كلا، فلا ترملها ولا فقرها منعاه عن طاعة الرب.
 
4. كانت الحالة جوع عظيم  بحسب لوقا 4 : 25 نظرًا لان الرب أغلق السماء ومنع المطر، فاشتد الجوع جدًا، حتى أن هذه الأرملة لم يكن لديها سوى ملء كف من الدقيق في الكوار، وقليل من الزيت في الكوز. فهل اعتذر إيليا قائلاً: ”يا رب: أرسلني لها عندما تتحسن الظروف ويأتي المطر, فليس من اللائق أن أذهب إليها في مثل هذه الظروف“.  لا، بل على الرغم من علم إيليا بالجوع العظيم، لكن بنى إيمانه على كلام الله له: ”أمرت امرأة.. أن تعولك“ (1مل17: 9).
 
5. أرملة أمميه: بالتأكيد كان شاقًا على نفس إيليا كنبي يهودي عظيم له مكانته، أن يذهب إلي أرملة أمميه في صرفه, لا سيما وأنه كان يوجد في إسرائيل في ذلك الوقت أرامل كثيرات (لو4: 25).  لكن الله لم يرسله إلى واحدة منهن، لأنه رأى أن يظهر وميضًا من النعمة بإرساله إلى أرملة أمميه.

6. المأمورية غير محددة الأجل: لم يذكر الرب في كلامه لإيليا كم من الوقت كان عليه أن يقضيه في صرفه عند الأرملة.  تبين بعد ذلك أنها مدة طويلة للغاية، فهي ليست مأمورية قصيرة مثل مأمورية يونان بذهابه إلى نينوى المدينة العظيمة لينادي لها المناداة التي يكلمه بها الرب.  فإن يونان لو بذل أقصى ما بوسعه لكانت مأموريته استغرقت على الأكثر ثلاثة أيام (يون3: 3). لكن إيليا لم يكن يعلم متى تنتهي مدة أقامته في صرفه. فهل رفض المأمورية بناء على هذا العذر؟  أو هل طلب تحديد مدة الإقامة؟ أو اقترح فترة قصيرة؟ كلا، لكنه ترك نفسه بين يدي الرب، يحدد الوقت كيفما يشاء.

7. إيليا لم يعلم شيئًا عن الأرملة: الله لم يعط إيليا أي بيان عن الأرملة, فهو لم يقل شيئًا عن اسمها, ولا عنوانها, ولا أي من صفاتها، على الرغم من أن الله غالبًا ما يعطي الاسم والعنوان بكل تفصيل (ارجع إلى أع 9: 11؛ 10: 5 و6)

لكن إيليا لم يكن عنده شيء يستدل به عن هذه الأرملة، ومع ذلك فقد ذهب متكلاً على كلام سيده.

إذاً فإيليا لم يعارض أو يرفض لأنها: امرأة - أرملة – فقيرة - في جوع عظيم– أممية- مأمورية غير محددة الأجل - لا يعلم الاسم أو العنوان أو الصفات..  لكنه ضرب بكل هذه الأعذار عرض الحائط، وكان بداخله إصرار على الطاعة وكأنه يقرر «ينبغي أن يطاع الله» (أع 5 :21).

وأنت أيها القاري العزيز ليتك تكف عن أن تسوق الأعذار الواحد وراء الآخر لتُبرر رفضك وعنادك؟  ليتك تكف عن الرفض وتطيع من القلب.