المشهد:
تخيَّل المشهد فى أي بيت يهودي متدين، وأيضًا تخيَّل المشهد فى تلك الْعِلِّيَّة المُعدَّة فى أورشليم، حيث اتكأ الرب مع تلاميذه، ليأكلوا الفصح الذي ندعوه الآن العشاء الأخير.
في ليلة الفصـح في مصر، يتساءل أصغر عضو فى العائلة: “لماذا تتميز هذه الليلة عن باقي الليالي؟” إننا فى كل الليالي الأخرى نأكل خـبزًا مختمرًا أو فطـيرًا، لكن فى هذه الليلة فطـيرًا فقط؟ فى جميع الليالي الأخرى نأكل أي نوع من الأعشاب، أما فى هذه الليلة فأعشابًا مُرة فقط؟ فى الليالي الأخرى نأكل لحمًا مشويًا أو مطبوخًا أو مسلوقًا، لكن فى هذه الليلة مشويًا فقط؟
إن التوجيهات الأصلية المعطاة لموسى في سنة ١٤٩١ ق. م. تقول: «وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَـبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَـنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا» (خر١٢: ٢٦، ٢٧).
بينما التتميم الدقيق لصنع الفصـح يتضمن بعض معاني الفصـح المسياني الحقيقي (١كو٥: ٧، ٨)، إلا أن هناك أمور أخرى نفعل حسنًا إن انتبهنا إليها. إننا نرى عائلة كبـيرة مجتمعة معًا لتناول الوجبة، مع تشجيع الصغار ليسألوا الكبار عنها (خر١٣: ١٤-١٦). فيُمكننا استخلاص العديد من الاستنتاجات: على العائلات أن تأكل معًا، على الأقل أسبوعيًا، كما كان يحدث فى وليمة السبت، حيث يجب أن يكون تناول الطعام مناسبة اجتماعية يتجاذب فيها أعضاء العائلة أطراف الحديث معًا. يجب تشـجيع الصغار على طرح الأسئلة، وعلى الكبار إجابتهم، وإشراكهم فى الأحاديث.
الأكل معًا:
عندما تجتمع الأسرة - أو حتى العائلة الكبيرة - للأكل، فلا بد أنها ستكون مناسبة مُبهجة سعيدة، ووقت للشركة والـترابط. لكن في أيامنا هذه، تزداد العائلات تفككًا! هناك عائلات كثـيرة لا تتناول الطعام معًا. وبدلاً من ذلك، يجلس الكبار والصغار حول التلفاز، ولكلٍّ طبق في يده. إن هذا يكرس تقسيم أفراد العائلة عن بعضهم، ويجعل من التلفاز مركزًا للوليمة، ومصدرًا للترفيه. لقد ناقش “نيل بوستمان” التأثير الضار للتلفاز في كتابه بعنوان، “ترفيه أنفسنا حتى الموت”، وهو كتاب يجب أن يقرأه كل الآباء.
تحتاج العائلات أن ترى بعضها وجهًا لوجه. ومن الجيد أيضًا أن تتلاقى الأجيال. فللأجداد دور ثمين في العائلة. إنهم قيمة نحن في خطر من فقدانها. إننا نشكو من الفجوة المتفاقمة بين الأجيال، إلا أننا ما أقل ما نفعله لتصحيح ذلك، فنخسر مصدرًا متميزًا للبركة والإنعاش.
يمكن للكنائس المحلية أن تُساهم في علاج مشكلة التشرذم المتزايدة هذه، باستضافة ولائم الشركة الحبية، والتمتع بها. فالكنيسة المحلية تُمثل العائلة الكبـيرة، ويجب علينا تشـجيع ذلك (١تي٥: ١-٣). إن الكنيسة التي لا تجتمع معًا، بين الحين والآخر، لتناول الطعام، تخسر من جهة بنيان الشركة، وتشـجيع الصداقات، والترحيب بالغرباء، إلى عائلة الكنيسة. وبحسب “ألفريد أدرشايم”، في فصـح القرن الأول، كانت العادة أن تفسح العائلات دائمًا، مكانًا للفقير ومَن لا عائلة له، وترحب بهم.
الحوار معًا:
منذ سنوات مضت، وكتدريب عملي تعليمـي، في المدرسة الـتي كنت أعمل بها، جعلنا ذوي الـــ١١ عام يتناولون غذاءهم على طاولات متباعدة عن أصدقائهم. وجلس الجميع مع غرباء. وفيما بعد، سألناهم عن رأيهم في التجربة، فقالوا إنها كانت غريبة وغـير مُلذة. كان هدفنا أن نُعلِّمهم أن وقت تناول الطعام هو مناسبة اجتماعية، وفرصة لصنع أصدقاء جدد.
وأيضًا دعونا ضابط الشرطة المحلي ليتناول الغذاء كل أسبوع مع مجموعة مختلفة من الطلاب. لقد أردنا أن نُغـيِّر توجه الشباب من جهة الشرطة، ونبني جسور الصداقة والثقة بينهم، بدلاً من الشك والعداء. بعد هذه التجربة بسنوات، علمت أن ابن الضابط كان ملتحقًا بإحدى الكليات المحلية. ولقد أخبرني هذا الابن أن والده كان يُقدر ذلك الوقت الذي قضاه بصحبة الطلاب.
وباعتبارنا آباء وأجداد ومدرسين مدارس الأحد، وكشيوخ ورعاة في الكنيسة المحلية، دعونا نجعل تساؤل وتعلُّم وتعليم أولئك الذين تحت رعايتنا شيق. هذا ما تُعلمنا إياه وجبة الفصح.