أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ (تك4: 9)
بهذا السؤال، يعاود الرب الحديث مع قايين - بعد فِعْلَتَه الشنعاء - إذ كان مغتاظًا جدًا، فقتل أخاه بسبب قبول الرب لتقدمة هابيل دون تقدمته. وكان الرب قد سبق فأشار إليه كي يعمل الحسن، ويصلح طريقه الخاطئ، بأن يقترب للرب بذبيحة دموية. لكنه لم يُعْطِ للرب آذانًا صاغية، بل أسلمَ نفسه للشيطان، وسقط في بؤرة الخطية والفساد. ولأنهُ كان عاجزًا عن فعل شيء ضد الرب، فقد فعله ضد هابيل أخيه، إذ قتله.
يقول الكتاب: «وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ». فبدلاً من أن يكلم الرب، نراهُ يكلم هابيل. ولا ندري بما كَلَّمَهُ؟ ولو أننا نشتًم في حَدِيثِهِ لأخيه رائحة الغدر والخيانة. ويواصل الكتاب: «وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ, قامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ» (تك 4: 8). وبهذا ظنَّ قايين أنه قد تخلص من النور الذي كان يوبخ ضميره. ولكن وإن وَارَى التراب جثمان هابيل، فإنه لم يُوارِ فِعلة قايين؛ إذ قال له الرب: «مَاذَا فَعَلْتَ؟» (تك 4: 10). وإن أبطَلَ قايين أنفاس هابيل، فإنه لم يقدر أن يُبْطِلَ صوت دمه؛ إذ قال له الرب: «صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ اَلأَرْضِ» (تك 4: 10). وإن أسكتَ قايين لسان هابيل، فإنه لم يقدر أن يُخمد شهادته؛ لأنه «وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمُ بَعْدُ!» (عب 11: 4).
وبهذا أقام قايين نَصبًا تِذْكَارِيًا لفعلته, لن يمحوها الزمن. إذ سُجلت في كلمةِ الله، وقرأها جميع البشر على مر الأجيال، بل أن الربَ نفسه، في وقت تجسده ذكر فِعلة قايين هذه، إذ تكلم عن «دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ» (مت 23: 35، لو 11: 51).
وهناك سُؤال يطرح نفسه في كلمة الله, وهو: «كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِرِّيرِ، وَذَبَحَ أَخَاهُ، وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟» والجواب: «لأَنَّ أَعُمَالَهُ كَانَتْ شِِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ» (1يو 3: 12). فنرى أنها جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد. فلا مفر من العقاب.
وفي قتل قايين لهابيل، نرى ردًا عمليًا من قايين على طلب الرب منه بتقديم ذبيحة. وكأنه يقول للرب: ”إن كنت تريد ذبيحة، فها أنا أذبح أخي هابيل“. وبئس ما فعل!
وربما تسائل كل من آدم وحواء: ”أين اختفى هابيل؟“ بل ربما سألا قايين نفس سؤال الرب له: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟». وبلا شك، كانت إجابته قاسية، كقسوته «لاَ أَعْلَمُ!». وفاجرة، كفجوره «أَحَارِسٌ أَنَا لأخِي؟». وكم كان هذا أمرًا مؤلمًا لقلب أبوين فقدا ابنًا مؤمِنًا، بارًا وصِدِّيقًا. وأمام شراسة قايين صمتا. وعلى مر الأيام، فقدا الأمل في أن يجداه. وكُسِرَ قلباهما لفقده.
ورغم كل هذا، لم يُشر الرب إليه بإصبع الاتهام، ليصدر حكمًا بالقضاء عليه! ولم يحول الرب وجهه عنه، ليرفضه وإلى الأبد! بل لم ينبش الرب قبر هابيل ليُخرج جثمانه، ليكون دليلاً حيًا؛ وشاهدًا على جريمته!
وبالرغم من أن الرب كان عالمًا بفعلته، سأله: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟»، كي:
يُدرك ما آلت إليه حالته؛ نتيجة رفضه صوت الرب.
يًُقر ويعترف بجريمته.
يتوب ويرجع عن خطاياه.
يشعر بعمق احتياجه، إلى الذبيحة الدموية، التي تنوب عنه.
لكن ماذا كانت إجابته؟ لقد كانت من شِقَيْن، وهما:
أولاً: «لاَ أَعْلََمُ». ونرى في هذا كذبًا ناتجًا عن الخوف من الرب، ومن عواقب فعلته. وأيضًا لئلا تثبت عليه الجريمة، إن اعترف بها، فيكون بذلك مستحقًا العقاب العادل.
ثانيًا: «أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟». ونرى في هذا فجورًا وتبجحًا ضد الرب. إذ لم يُعطه الاحترام والوقار اللائقين به. وبهذا نرى أن قايين قد وصل إلى أسوأ حالاته. وأعد نفسه، ليكون آلة بيد إبليس. وهيأها للهلاك. وإن لام قايين أحدًا، فلا يقدر إلا أن يلوم نفسه. لأن «الله .. احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كثيرة آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيًّأَةٌ لِلْهَلاَكِ» (رو 9: 22)، إذ انفصل قايين عن الرب، ولم يعد راغبًا للإصغاء إليه.
عزيزي .. إن كان هذا عن قايين، فماذا عنك أنت؟ هل تشعر بثقل خطاياك؟ بل، هل استمعت لصوت الرب الذي يتأنى عليك حتى الآن؟ ولماذا يتأنى؟ اعلم أنه «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التًّوْبَةِ». ليتك تُدرك هذا. وتحسب ذلك الحساب الصحيح، الذي ينبهنا إليه الروح القدس بالقول: «احْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا» (2بط 3: 9, 15). فجئ إلى الرب الآن قبل فوات الأوان.