أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - شخصية المسيح
السنة 2005
قصة ميلاد المسيح العذراوي

قال النبي إشعياء عن الرب يسوع قبل أن يولد بنحو 700 سنة «يُدعى اسمه عجيبًا» (إش9: 6)؛ وهو بحق عجيب، ولا يستطيع العقل البشري أن يدركه.  وعندما نتصفح الوحي المقدس، كلمة الله، نجد أن هذا الشخص العجيب عندما ظهر في الجسد، فإنه وصل إلى العالم بطريقة عجيبة؛ إذ لم يدخل كما يدخل سائر البشر بالولادة من تزاوج بشري (رجل وامرأة)، لكن دخوله إلى العالم كان بطريقة فريدة.  وُلد من عذراء لم تعرف رجلاً (لو1: 34).  هذا أيضًا ما سبق وتنبأ عنه إشعياء النبي قبل حدوثه بنحو 700 سنة عندما قال «ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل» (إش7: 14).  كانت مناسبة هذا الكلام عندما رفض آحاز أن يطلب لنفسه آية من الرب، لكن السيد الرب نفسه أعطاه آية؛ وما هي؟  الإجابة: «ها العذراء تحبل».  ويا لها من آية عجيبة، لم تحدث من قبل، ولن تحدث من بعد! 

وإني أتصور إشعياء، وقت كتابة هذا الكلام الذي أُوحى به من الله، أتصوره وقد ترك ريشته التي كان يكتب بها آنذاك، مفكِّرًا فيما يسوقه الروح القدس أن يكتبه (2بط1: 21)، ربما تساءل كثيرًا قبل أن يكتب ذلك: كيف يكون هذا؟  هل عذراء تحبل؟  إني لم أسمع عن حدث عجيب مثل هذا من قبل؟  هل هذا يتمشى مع الفكر البشري؟  هل أمر كهذا منطقي؟  قد تكون مثل هذه الأسئلة حيرت نبينا إشعياء قبل أن يكتب ذلك.  وأنا أقول إن له كل الحق في أن يتساءل ويستغرب من شيء كهذا.  لكنه كتب، حتى وإن لم يفهم ما كتبه، أو لم يجد إجابة على تساؤلاته هذه.  إنه كتب كما قال بطرس عن كل أواني الوحي «مسوقين من الروح القدس (أي بدون إرادة لهم)» (2بط1: 21).  وما سبق وأن تنبأ به إشعياء تم حرفيًا «لما جاء ملء الزمان (حيث) أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة» (غل4: 4).  وفى ضوء العهد الجديد، يعطينا البشيران متى ولوقا، كلٌّ في أول صفحات بشارته، مزيدًا من الضوء عن هذا المولود العجيب، وعن ميلاده المعجزي.

إذا القينا الضوء على ما كتبه متى في هذا الصدد، نجد أنه في متى1 يورد لنا سلسلة نسب هذا المولود العجيب، بدءًا من إبراهيم وانتهاءً بيوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح.  يبدأ البشير متى في سرد هذه السلسلة الملوكية التي تُقدِّم لنا المسيح كإنسان أتى من سلسلة الملك داود، لكي يكون له الحق شرعًا في العرش والمُلك؛ لكنه عندما يأتي بنا إلى ع 18 نجد أمرًا يلفت الانتباه عن هذا المولود الفريد والعجيب، ألا وهو حرص الروح القدس على تميز وتفرد هذا المولود عن كل هذه السلسلة فيقول «أما ولادة المسيح فكانت هكذا».  وكأن الروح القدس قاد البشير متى أن يفصل بين هذا المولود وكل مولود، ليس في هذه السلسلة فقط، بل في كل التاريخ البشري قبله أو بعده.

ثم يشرح لنا متى البشير بأكثر تفصيل عن كيفية الحبَل بهذا المولود وكيف تمت ولادته.  يخبرنا أنه «لما كانت مريم مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وُجدت حُبلى من الروح القدس.  فيوسف رجلها، إذ كان بارًا ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرًا» (1: 18،19).  وبهذا يوضح لنا متى كيف تم الحبل بهذا المولود الفريد.  لاحظ دقة الوحي المقدس في سرد الأحداث: إنها حُبلى لما كانت مخطوبة؛ أي أن هذا الحَبَل ليس من مشيئة رجل (أي زواج بشري).  ولقد أراد يوسف أن يتخلى عنها سرًا دون أن يشهرها لأنه رجل بار.  ويخبرنا البشير أنه «فيما هو (أي يوسف) متفكر في هذه الأمور، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس.  فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم، وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (1: 20-23). 

ونستطيع أن نرى في كلام الملاك ليوسف عدة إعلانات منها:

1- إعلان عن طهارة مريم خطيبته (ع20).

2- إعلان عن معجزة الحَبَل بهذا المولود (ع20).

3- إعلان أعظم عمن هو هذا المولود «عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (ع23) أي أن «الله ظهر في الجسد» (1تي3: 16).

4- إعلان عن عمله العظيم المرتبط باسمه العظيم «يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» (ع21).

5- إعلان عن أنه المسيا ملك إسرائيل من قول الملاك «يا يوسف ابن داود (الملك)» (ع20)

6- إعلان أن هذه العذراء (لاحظ أنه لم يقل عذراء) هي المعيّنة في فكر الله والمختارة لهذا الحدث الجليل والسامي.

أما البشير لوقا فهو يحدثنا أيضًا عن هذا المولود العجيب في أول صفحات بشارته، معلنًا لنا كيف تمت بشارة العذراء بهذا الحدث، فيقول: «وفى الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطُوبة لرجل من بيت لحم اسمه يوسف، واسم العذراء مريم.  فدخل إليها الملاك وقال: سلام لكِ أيتها المُنعَم عليها!  الرب معك.  مباركة أنتِ في النساء.  فلما رأته اضطربت من كلامه، وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية!  فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدتِ نعمة عند الله.  وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع.  هذا يكون عظيمًا، وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه... ولا يكون لملكه نهايةٌ» (1: 26-33). 

والكلام هنا في بشارة لوقا يلقي ضوءًا أيضًا على عدة أشياء:

أولاً: التوقيت الذي بشرها الملاك فيه بهذه البشارة «الشهر السادس»؛ أي بعد ظهور هذا الملاك نفسه لزكريا الكاهن الذي كان قد صلّى طالبًا من الله أن يعطيه زرع بشر لأن امرأته كانت عاقرًا.

ثانيًا: المدينة التي كانت العذراء متواجدة بها، مدينة من الجليل اسمها ناصرة.  هذه المدينة كما نعرف مدينة مُحتقرة (راجع يو1: 45-46؛ مت2: 23).

ثالثًا: إعداد العذراء لهذه المهمة، واختيارها كإناء لولادة هذا المولود العجيب «أُرسل جبرائيل من الله... إلى عذراء مخطوبة... وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها».

رابعًا: كلام الملاك معها يبيّن لنا حالتها الروحية التي كانت عليها «فإنك قد وجدت نعمة عند الله».

خامسًا: يبين لنا عظمة المولود في شخصه وفى مُلكه «هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى... ولا يكون لملكه نهاية».

لكن العذراء المطوبة مريم لما سمعت هذه البشارة، تساءلت قائلة: «كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟».  إنها سألت، ولها كل الحق أن تسأل، لكي تستوضح الأمر العجيب الغريب هذا، وتستفسر عنه.  إن سؤالها هنا يختلف عن سؤال زكريا في لوقا 1: 18، ويبدو الاختلاف واضحًا بين السؤالين فيما يلي:

1) زكريا يسأل متشكِّكًا، غير مصدق الكلام الذي بشّره به الملاك، أما العذراء كانت تسأل متعجِّبة من الأمر مستفسرة، لكن غير متشككة.

2) لم يكن لزكريا الحق في تشككه، إذ كم من حوادث في تاريخ آبائه وأجداده مثل هذا الحدث: اسأل إبراهيم وسارة الذين كانا أيضًا شيخين ومتقدمين في الأيام (تك18: 10-14)، أو اسأل اسحاق الذي صلى مثلك لأجل امرأته العاقر ففتح الرب رحمها وأعطاها توأمًا (تك25: 21-24)، بل اسأل حنة أم صموئيل التي رنمت «حتى العاقر ولدت سبعة بنين» (1صم2: 5).  أما أن تسأل العذراء وتستفسر من الملاك، فلها الحق؛ لأن هذا الحدث فريد من نوعه وعجيب في طريقته، لم يسبق أن حدث مع غيرها ولن يحدث في كل التاريخ البشري.

3) إن زكريا الكاهن، بعدم تصديقه هذا الكلام، جلب على نفسه القضاء فظل صامتًا إلى وقت إتمام كلام الملاك.  لكن المطوبة مريم لم يوقع عليها أي نوع من القضاء، بل على العكس، ففي لوقا 1: 35 يجيبها الملاك موضحًا لها ما يزيل استغرابها ومفسرًا لها كيف سيتم هذا قائلاً:

• «الروح القدس يحل عليكِ».  أي أن هذا المولود لن يدخل العالم عن طريق تزاوج بشري كسائر المولودين من النساء.

• «قوة العلي تظللك».  أي أن الرب بقوته سيعمل سياجًا حافظًا للأم ولهذا المولود القدوس طوال فترة الحبل به.

• «لذلك القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله».  أي أن المولود قدوس بلا خطية، بخلاف سائر المولودين من تزاوج بشري، الذين هم مولودين بالخطية (مز51: 5).  وأنه هو أيضًا ابن الله، مبيّنًا أصله ومصدره.

إن هذا الميلاد المعجزي لهذا المولود العجيب والفريد ما كان ممكنًا أن يتم بغير هذه الطريقة، لأنه لو كان قد وُلد بالطريقة التي وُلد بها كل البشر، فهذا يعني أنه سيكون مثلهم في كل شيء حتى في الطبيعة الساقطة.  وحاشا من فكر كهذا.

عزيزي إنه مولود عجيب وفريد،
وُلد بطريقة معجزية لأنه هو «الله (الذي) ظهر في الجسد» (1تي3: 16)؛
فهل كان ممكنًا أن يولد بغير هذه الطريقة؟