«فِي ذلِكَ اليَوْمِ، انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ» (تك7: 11).
«مِنْ إِلهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ، وَمِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي يُبَارِكُكَ، تَأْتِي بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ» (تك49: 25).
في مشهدين مختلفين في سفر التكوين جاء ذكر السماء والغمر، المشهد الأول هو مشهد دينونة وغضب، أما المشهد الثاني فهو مشهد بركة ورضى.
المشهد الأول في تكوين 7، حيث جاء الطوفان على الأرض التي امتلأت من شر الإنسان، فأهلك الرب بالمياه كل نفس حية، ولم يخلص سوى نوح وبيته. ونرى في طاقات السماء التي انفتحت صورة لدينونة السماء، غضبة العدل الإلهي الرهيب التي انصبت فوق رأس ربنا المعبود يسوع وهو معلق على الصليب. بينما نرى في ينابيع الغمر العظيم التي انفجرت صورة لمدى كراهية وبغضة سكان الأرض للمسيح، ولا سيما في الثلاث ساعات الأولى للمسيح فوق الصليب.
أما المشهد الثاني (تك49) فنري فيه السماء والغمر مرتبطان ببركة يعقوب ليوسف ابنه، فبركات السماء من فوق تُكلمنا عن البركات الروحية التي صارت لنا عن طريق ارتباطنا بالمسيح يسوع، وبركات الغمر الرابض تحت تتكلم عن الخيرات الزمنية التي ننعم بها من منطلق صلاح الله وجوده منقطع النظير.
إذًا إن وضعنا الصورتين جنبًا إلى جنب (تك7) مع (تك49) نستخلص درسًا ثمينًا: فأولاً السماء والغمر ارتبطا بالدينونة، ثم بعد ذلك ارتبطا بالبركة. الدينونة أولاً ثم البركات. وكان لا بد أن يأخذ المسيح مكاننا كنائب وبديل عنا فوق الصليب، محتملاً من ناحية قسوة الدينونة الرهيبة وهول غضب الله، ومن ناحية أخرى شر وتطاول الإنسان. ومن ثم أصبح من حق كل من يؤمن بالمسيح إيماناً قلبيًا أن يتمتع بالبركات «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ» (أف1: 3). «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رو8: 32).
إذًا الإنسان يسوع المسيح الذي كان يومًا هدفًا لكراهية الأرض ولغضب السماء، هو نفسه المصدر الوحيد لكل البركات. فالغبطة والسعادة نصيب من يرتبط به، والبؤس والشقاء لمن يرفضه ويزدري به.