أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2005
ثلاث نساء عظيمات
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الأمانة والتكريس لكثير من النساء في الكتاب القدس تعطينا موضوعًا للدراسة، لنا فيها بركات عميقة، ليس فقط للنساء والفتيات المؤمنات، بل للرجال أيضًا. ونكتفي بأن نناقش ثلاثة منهن فقط في هذا المقال؛ الأولى منهن زوجة وأم من العهد القديم، أما الباقيتان فهما عذارى من العهد الجديد والأولى سماها الكتاب ”امرأة عظيمة“ (2مل 8:4)، أما الأخريتان فتستحقان نفس الوصف لاتخاذهما موقف الخضوع التام للرب يسوع.

 المرأة الشونمية العظيمة

هذه الابنة الغالية على الله نتعرف على قصتها في 2ملوك8:4-37. وعمل نعمة الله في قلبها واضح في الطريقة التي اختارتها بفطنة لتتصرف بشكل سليم في كل من علاقاتها. وسنناقش أولاً أكثر هذه العلاقات الحيوية.

 موقفها تجاه الله:

 لم تكن تخاف أبدًا خوف الجارية (1بط 6:3)، بل بشجاعة الزوجة الوفية المخلصة طلبت من زوجها «فلنعمل (لرجل الله) عُليه على الحائط صغيرة» (2مل10:4). كان من الواضح أن شخصيتها جعلت زوجها يثق بها ثقة كبيرة، ولذلك فيما بعد عندما سألها عن سبب ذهابها إلى رجل الله، قالت ببساطة: ”سلام“، ولم يزد هو من أسئلته لها (الآية23،22). كانت تعرف أن أمور الله ليست حيوية بالنسبة له مثلها، وأنه لا يستطيع أن يدخل في المعمعة التي تعرضت لها روحها، كما أنه لا يستطيع أن يوفي طلبتها كرجل الله. ولذلك لم تخبره حتى أن الصبي قد مات. وحكمتها وسيطرتها على نفسها في هذا الموقف تدعو إلى الإعجاب.

 موقفها تجاه ابنها: عندما أخبرها رجل الله أليشع «في هذا الميعاد نحو زمان الحياة تحتضنين ابنًا» (2مل16:4)، لم تستطع أن تصدق. من الواضح أنها كانت تتلهف أن يكون لها طفل، ولكنها كانت قد قررت أن تتغاضى عن هذا المطلب لأن ”رجلها قد شاخ“. ولكن بعد ولادة الولد، لا شك أن حبها له كان قويًا وخالصًا. ولكنها لم تكن امرأة تسيطر عليها الرغبة في الامتلاك، أو يسيطر عليها الخوف من جهة سلامة ابنها، لأنها سمحت له أن يخرج مع والده في وقت الحصاد. وعندما شكا من آلام في رأسه (ربما ضربة شمس)، عرف أبوه أين يرسله. ففي وقت الشدة، ليس هناك أفضل للطفل من حضن أمه المحبة.

 وبكل رفق أجلسته على ركبتيها حتى مات. ولكن فلنلاحظ أن حبها له لم يخرجها عن سيطرتها على نفسها ولا انهارت. بلا شك أن حزنها كان عميقًا في تلك المأساة غير المتوقعة، إلا أنها «أضجعته على سرير رجل الله، وأغلقت عليه، وخرجت» (الآية 21). وفقط الإيمان بالإله الحي هو الذي كان يستطيع أن يسندها في ذلك الموقف. وبلا شك، أنها في داخلها أدركت حقيقة في منتهى الأهمية لكل والد ووالدة، أن أولادنا ليسوا ملكنا، بل هم ملك الرب. فله حق ملكيتهم. ومع أنه استأمنا عليهم لفترة، يجب أن نسلمهم في النهاية له، وعندما نسلمهم له، كثيرًا ما نجد أننا سنكسبهم مرة أخرى، وهذا أفضل بكثير.

وبدلاً من أن يسيطر عليها الاضطراب، تحركت بهدوء وحكمة بدافع اهتمامها بابنها، متيقنة أن رجل الله (وهو رمز للمسيح) هو ملجأها. وعندما أعاد أليشع ابنها للحياة، امتلأ قلبها حتى أنها «سقطت على رجليه وسجدت إلى الأرض»، دون أن تنطق بكلمه (الآية 37).

 في كل هذا، ألا نرى بوضوح سواء في موقفها تجاه زوجها أو تجاه ابنها - تأثير موقفها تجاه الله؟ هذا هو التأثير المهيمن، وحلاوته تتغلغل في علاقتها الطبيعية. فلتكن لنا النعمة لكي نتبع مثال أمانتها.

 مريم التي من بيت عنيا

تشترك مريم في نفس موقف الحب تجاه الرب مثل الشونمية، وقد اتصفت بنفس الهدوء النابع، ليس من طبيعتها البشرية بل من صلتها بالرب يسوع. ويقدمها لنا لوقا في بشارته (لو38:10-42) بأنها «التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه». ويا له من انشغال ثمين. ومن الواضح أنها كانت تعيش في بيت أختها مرثا، وكان هذا البيت مرفأ راحة للرب يسوع وسط مشاق خدمته. ونقرأ عن شكوى مرثا من أن أختها مريم تركتها تخدم وحدها، ولكن لا نقرأ عن شكوى لمريم من مرثا. وربما استماع مريم لكلمات الرب هو الذي أثمر هذه النتيجة الطيبة فيها.

 هل تستطيع امرأة لوحدها أن تخدم الرب خدمة مرضية؟ يجيب الرب نفسه على السؤال بكلمات جميلة: «اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها» (لو42:10). هذه لم تكن تبدو خدمة في نظر مرثا، ولكن اهتمام قلب مريم بكلمة الله كان ثمينًا في نظر الرب. قد نوجه جُلَّ تفكيرنا إلى خدمة الرب بنشاط، ولهذا نخصص وقتاً قليلاً للتأمل الهادئ في كلمته، وهو الذي من الواضح يُرضي قلب الله.

 بعد هذا نري مريم عند قدمي الرب في حزن مرير (يو32:11). وفي ذلك الوقت كانت محطمة ومتحيرة لأن الرب لم يسرع إلى بيت عنيا عندما سمع أن أخاها لعازر مريض، بل انتظر حتى مات. لم تستطع أن تفهم سر هذا التصرف، ولكنها بالتأكيد فهمته جيدًا بعد أن أقام الرب لعازر من الأموات. ولم يكن ممكنًا أن يُقيمه لو لم يمت، وتحول حزنها إلى فرح غامر.

 نراها مرة أخرى عند قدمي الرب في (يوحنا3:12)؛ ولكن في هذه المرة لم تكن في حزن ولا حتى لتتعلم منه. بل بقلب يفيض بالشكر دهنت قدميه بطيب غالي الثمن. وحتى التلاميذ لم يفهموا هذا، وقد بدأ يهوذا أولاً بالاعتراض على هذا، وتبعه الآخرون أيضًا (مت8:26). ولكنها كانت مخلصة في سجودها، وقد دافع الرب عنها فيما فعلته بقوله: «قد عملت بي عملاً حسنًا»؛ وأيضًا إنه «حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبَر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها» (مت10:26-13). وتصرفها هذا هو ربما أثمن صورة عن سجود المحبة الذي يسجله الكتاب. ولا نقرأ عن رجل قام بمثل هذا العمل. بلا شك هناك سيدات أمينات اليوم لهن مثل هذا الاتجاه القلبي، ولكن عددهن قليل. وإن لم نستطع أن ندهن رجليه بالطيب حرفيًا، نستطيع أن نتمثل بها في حبها للرب.

 مريم المجدلية

 لم تكن مريم المجدلية ربما بنفس الهدوء والشخصية التي تميل للتأمل مثل مريم التي من بيت عنيا. كما أن مقدار حرصها على السعي لتعلم كلمة الله ربما موضع تساؤل. وربما كان مستوى تفكيرها وحصافتها ليس مرتفعًا كالبعض، ولكن هذا لا يدهشنا. فقد أخرج الرب منها سبعة شياطين (مر9:16). وكانت حياتها السابقة رهيبة، ليس بالضرورة منحطة، لأنها كانت أسيرة تحت سلطان إبليس. ومن أفلت من مثل هذا الماضي نظيرها، لا يستطيع أن يكتسب بسهولة عادات التلمذة.

 إلا أن (يوحنا1:20-18) يعطينا سجلاً رائعًا عن إخلاصها الذي لا يتجزأ للرب يسوع، والذي يُخجِل كل رجل وامرأة. كانت قد انضمت إلى نساء أُخريات لدهن جسد الرب بالحنوط، ولكنهن لم يجدن الجسد في موضعه.

 ولم تستطع أن تفهم الموقف، وحتى عندما رأت الملاكين في القبر لم تتأثر بالمنظر، لأن الرب كان هو كل شاغلها. وعندما كلمها الرب يسوع نفسه ظنته البستاني، بل صرفت انتباهها عنه. ولكن عندما ناداها ببساطة باسمها عرفته في الحال، وتقدمت على ما يبدو لتمسك به، فقال لها: «لا تلمسيني» لأنه لم يصعد بعد إلى أبيه، ولكن حمَّلها برسالة رائعة لكي تنقلها إلى التلاميذ «قولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم» (يو17:20).

 لا شك أن مريم ظنت أنها قد استعادت نفس العلاقة التي كانت لها به من قبل (علاقة العيان). ولكن لم يكن ممكنًا أن تستمر معرفتها له على هذا الأساس. بل علاقتها به الآن أسمى وأعظم بركة، فبصعوده إلى أبيه، صار لنا كماله. إنه لها الآن في السماء، باعتباره الرأس المبارك للخليقة الجديدة، والتي فيها تلاميذه هم اخوة له. كم عجيبة هي نعمة ربنا يسوع المتفاضلة! ولقد سر الرب أن يعلن نفسه هكذا، ليس لأذكي الرجال ولا أكثرهم حيوية، بل لامرأه كان حبها له حقيقي لا يتزعزع، وهي أول شاهد عن قيامته (مر9:16). هل نرغب نحن أيضًا في نفس التكريس القلبي له؟!

النساء الثلاثة اللاتي تكلمنا عنهن، لهن ظروف وخلفيات مختلفة، كما هو حال جميع المؤمنين، إلا أن كل منهن كان لها مكانة خاصة تستطيع أن تعبر عن حقيقة علاقتها بالرب، وكل منهن مثال طيب لنا.

ل.م. جرانت