نقرأ في الكتاب عن أصبع الله في سُباعية رائعة، وهي بحسب ترتيبها الأدبي نجدها في تناسق بديع، توضح قصة الله مع الإنسان كالآتي:
- أصبع الله المُبدعة: «إذا أرى سماواتك، عمل أصابعك، القمر والنجوم التي كونتها» (مز8: 3) وهنا نرى أصبعه - تبارك اسمه - في إبداع الكون، وفي كتاب الطبيعة، ليُعلن ذاته للإنسان كالخالق إذ يقول الرسول بولس: «لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدركةً بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته، حتى إنهم بلا عُذر» (رو1: 20). فقد أبدع الله في كتاب الطبيعة، وجعل القمر والنجوم كل منها في مدار خاص وبسرعات خاصة وبجاذبية خاصة وإضاءة خاصة. حقًا ما أروعه كالخالق!
- أصبع الله الموجعة: «فقال العرَّافون لفرعون: هذا أصبع الله» (خر8: 19). لقد تقسّى قلب فرعون، ورفض أن يُطلق الشعب قائلاً: «لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه» (خر5: 3). وقد كانت النتيجة أن الرب ضرب فرعون وكل أرض مصر بضربات عشر. ففي الضربة الثالثة، وهي ضربة البعوض، قال العرَّافون لفرعون: هذا أصبع الله. وقد ضُرب الناس والبهائم بالبعوض مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة. وحقًا كانت إصبع الله موجعة لفرعون.
- أصبع الله المُشرِّعة: أصبع الله أبدعت الكون وأظهرت قدرة الله ولاهوته في كتاب الطبيعة المفتوح، ولكن الله قدم شريعته لشعبه مكتوبة على لوحي الحجر، وكأن الله لم يكتفِ بأن ينظر الإنسان إلى كتاب الطبيعة، فأرسل إليه كتابًا مكتوبًا، وأعطى الله لموسى لوحين من حجر مكتوبين بأصبع الله عليهما الوصايا العشر (خر31: 18).
- أصبع الله المُفزعة: «في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت بإزاء النبراس على مُكلس حائط قصر الملك .... حينئذ تغيرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره» (دا5: 5، 6). وهنا نجد أصبع الله تمتد مرة أخرى بالقضاء على شر الإنسان، فقد أعلن الله ذاته في كتاب الطبيعة بالإبداع، ولكن الإنسان تقسّى فامتدت أصابع الله بالأوجاع, ولكن الإنسان تقسّى أكثر ضاربًا بمقدسات الله عرض الحائط، مُمثّلاً في شخصية بيلشاصر الملك الذي شرب خمرًا في أواني القدس، فما كانت من أصبع الله إلا أن تمتد بالقضاء عليه.
- أصبع الله المُسَمِّعة: «وجاءوا إليه بأصم أعقد ... فأخذه ... على ناحية ووضع أصابعه في أذنيه ... وقال له: افثًا، أي انفتح، وللوقت انفتحت أذناه» (مر7: 32- 34) وهنا نجد الرب تبارك اسمه لا يهدأ حتى يتمم أمره مع الإنسان. فمع أن الإنسان تقسّى بعد إعلان الله ذاته له، ولم يُرِد أن يسمع صوت الله، وسدّ أذنيه، وصمَّها عن سماع صوته، لكن الرب تبارك اسمه لم يترك الإنسان على هذه الحالة، بل نراه هنا يأخذ الإنسان على ناحية ويضع أصابعه في أذنيه ويقول له: انفتح لكي تسمع كلام الله. وللوقت انفتحت أذن الإنسان، كما انفتح قلب الإنسان (أع16: 14)، وعين الإنسان (لو24: 31)، وذهن الإنسان (لو24: 45). ما أروعك يا رب بالحق! فنحن ”بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منا، بل هو عطية الله“ (أف2: 8).
- أصبع الله المُردعة: «وكان يُخرج شيطانًا وكان أخرس، فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس ... فقالوا: ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرج الشياطين ... فقال إن كنت بأصبع الله أُخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله. حينما يحفظ القوي داره متسلحًا تكون أمواله في أمان، ولكن متى جاء مَنْ هو أقوى منه، فإنه يغلبه وينزع سلاحه ويوزع غنائمه» (لو11: 14، 15، 20- 22) وهنا نرى أصبع الله التي أردعت الشيطان، وجعلت الأخرس يتكلم. فقد جاء الرب كالأقوى من القوي (الشيطان) وقد نزع سلاحه منه وأتى بالغنيمة (الإنسان). مَنْ كان يستطيع أن يردع هذا العدو إلا الرب تبارك اسمه!
- أصبع الله المُقنعة: «وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بأصبعه على الأرض» (يو8: 6). هنا في قصة المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل، جاء اليهود بها إلى ساحة الهيكل وأياديهم مملوة حجارة وعيونهم لا ترى خطيتهم. ولكن الرب تبارك اسمه وحده عندما انحنى على الأرض وكتب بأصبعه، كانت ضمائرهم تُبكتهم. فخرجوا واحدًا فواحدًا مُبتئدين من الشيوخ. فأصبع الله وحدها هي التي تقنعنا عندما ندين الآخرين وتقنعنا بأخطائنا.
ما أروع أصبعك يا رب التي كتبت في كتاب الطبيعة، وعندما تقسّى الإنسان أعطته إنذارًا بالضربات، وبعد ذلك كتبت في كتاب الناموس وعندما تقسّى الإنسان أعطته إنذارًا بالفزع. ولكن بعد ذلك لم يسكت الرب، بل فتح أذنيه ليسمع، وطرد الروح النجس -الشيطان، وأردعه. وأخيرًا جعلنا نقتنع بأننا لسنا أفضل من غيرنا. هذه هي قصة أصبع الله مع الإنسان.