أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2009
معمودية الروح القدس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الرسول بولس هو الإناء لإعلان
سر المسيح والكنيسة

نتعلم إذًا، أنه بواسطة الروح القدس «جميعنا اعتمدنا إلى جسد واحد».  وعليه، نستطيع أن نرى لفائدتنا كيف يُقدَّم لنا هذا الجسد في الكتاب المقدس.  إنه مُقدَّم لنا بطريقة ثلاثية.  وسأحاول أن أوضح ما أنا أفهمه عن «جسد المسيح»: 

إنني أفهم أن جسد المسيح مكوَّن من جميع المؤمنين، الذين آمنوا من يوم الخمسين فصاعدًا، وقد قَبلوا الروح القدس، وبذلك اتحدوا مع المخلِّص الحي، الرأس الذي في المجد. وكل مؤمن يجب أن يتعلم أنه عضو في جسد المسيح هنا على الأرض.  كيف أُظهر هذا الحق؟ إن الحق الخاص بجسد المسيح أُعلِنَ أولاً لبولس.  كان هو الإناء المختار لإعلان ذلك الحق الخاص.  إنني لا أشك أن الرسل الآخرين تعلموه أيضًا، لكننا نعلم أنه أُعلِنَ أولاً للرسول بولس، الذي أقامه الله واستخدمه في نعمته ليكشف الحق الخاص الذي أتكلم عنه الآن ـ جسد المسيح ـ لقد تعلمه في نفس يوم اهتدائه.  وكان في طريقه إلى دمشق، لكي يضطهد قديسي الله، وفيما هو يتقدم في مهمته الفتَّاكة، أبرق حوله فجأةً نور عظيم، فسقط على الأرض.  لكن نفس النور الذي أغلق عينيه لهذا العالم، أصبح الوسيلة لفتحها لكي يرى الرب.

وحينئذِ قال: «مَن أنت يا سيد؟».  لقد سمع صوتًا قائلاً له: «شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟» ولما سأل «مَن أنت يا سيد؟» جاءه الجواب «أنا يسوع الذي أنت تضطهده».  لقد تعلم في تلك اللحظة أن المخلِّص وهو في المجد، اعتبر كل مؤمن باسمه على الأرض جزءًا منه ـ عضوًا في جسده، ولذلك قال له «لماذا تضطهدني؟».  لقد تعلم بولس هذا الحق في لحظة اقتناعه بذنبه وتغييره، ذلك هو السبب الذي لأجله يقول في الرسالة إلى أهل غلاطية «ولكن لما سَرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمي، ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه (هل ليَّ؟ كلا!) فيَّ، لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحمًا ودمًا» (غلا1: 15، 16).  لقد حصل على الإعلان في لحظة تغييره، أن القديس على الأرض، والمخلِّص في المجد، كانا متحدين، وبعد ذلك أعلن الرب له سر المسيح والكنيسة، والذي يكشفه كاملاً في الرسالة إلى قديسي أفسس.

أول كل شيء، كرز بولس بأن يسوع هو ابن الله، الأمر الذي لم يفعله أي واحد من الرسل.  لقد كرزوا بأن الله قد مجَّد فتاه (أو خادمه) يسوع، لكن بولس في الحال أذاع أمجاد شخصه المبارك كابن الله، ثم أعلن الحق الخاص بجسد المسيح، الذي يتطلب تركيز انتباهكم إليه للحظة.  في الرسالة إلى أفسس، والأصحاح الثالث، نجد الرسول يقول: «بسبب هذا أنا بولس، أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم، إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المُعطاة لي لأجلكم: أنه بإعلان عرَّفني بالسر (كما سبقت فكتبت بالإيجاز الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح)».  دعوني أقول هنا، أن كلمة «سر» لا تعني شيئًا غامضًا، أو أنه لا يُفهم إلا بعقل له ذكاء خاص.  إن كلمة «سر» في الكتاب المقدس، تشير إلى شيء مكتوم ومخفي حتى اللحظة التي فيها يُسَرّ الله أن يعلنه ويجعله معروفًا.  ثم يضيف الرسول بولس «الذي في أجيال أُخر لم يُعرَّف به بنو البشر، كما قد أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح، أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل، الذي صرت أنا خادمًا له حسب موهبة نعمة الله المُعطاة لي حسب فعل قوته.  لي أنا أصغر جميع القديسين، أُعطيَت هذه النعمة، أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى، وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله».  لم يكن مكتومًا في الكتاب المقدس! لأنك لا تستطيع أن تجد «الجسد» في أسفار العهد القديم.

وهكذا تلاحظون أن بولس، كان الإناء لهذا الإعلان.  ثم يُخبرنا في الأصحاح التالي وفي العدد الثالث أن نجتهد لكي نحفظ «وحدانية الروح برباط السلام. جسد واحد وروح واحد، كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد؛ رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة» (أف4: 3-5).  وهنا نجد نفس الفكرة، أنه بواسطة الروح القدس تكوَّن هذا الجسد العجيب.  وما هو الغرض من ذلك؟ أن المؤمنين من اليهود والأمم، إذ أُحيوا من موتهم الروحي، يمكن أن يُحضَروا معًا، بواسطة موت وقيامة يسوع، وبسكنى الروح القدس إلى «إنسانٍ واحد جديد» كما يسميه في الأصحاح الثاني.  وإذا رجعتم إلى هناك سترون أو بولس يتحدث عن اليهود والأمم.  وفي العدد الرابع عشر من الأصحاح الثاني يقول: «لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط ـ (بين اليهود والأمم) ـ أي العداوة، مُبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا (يعني إنسانًا من نوع جديد، لم يسبق أن رآه أحد من قبل، صانعًا سلامًا.  ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب، قاتلاً العداوة به: فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين (الذين هم الأمم) والقريبين (اليهود)».  نحن نواجه هنا هذا الحق الجميل والرائع الذي يُعلَن لأول مرة وأُظهر بواسطة الرسول بولس كالإناء الخاص لإعلان الله، أنه يوجد شيء جديد على الأرض، من يوم الخمسين فصاعدًا يُسمى «جسد المسيح» تكوَّن بسُكنى الروح القدس، ومتحد بنفس ذلك الروح، بالمخلِّص في المجد.  وأريد أن أقول في سياق الحديث، أنه لا يوجد أحد متحد مع المسيح، إلا بواسطة الروح القدس.  ربما تقول إنك متحد معه بواسطة الإيمان الحي.  هذا ليس طريق الكتاب المقدس. ربما تكون ارتبطت معه بالإيمان، لكن ذلك لا يُضارع حقيقة الوحدة.  إن الاتحاد هو حق عظيم! والوحدة التي يتكلم عنها الرسول بولس هي الوحدة الكاملة للحياة والطبيعة والمكان، والمقام مع المسيح، والتي وضعت فيها الكنيسة بواسطة الروح القدس.  إن كل ما للمسيح هو لك، وعليك أن تعرف أنك قد أُحضِرْت إلى ذلك، بواسطة الروح القدس.

الجسد في صورة ثلاثية

وإذ عرفنا هذا الحق بالنسبة لعلاقة المؤمن مع الرب يسوع، كرأس الجسد، فنحن مُهيأون أن نسمع الرسول يقول «مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام.  جسدٌ واحد، وروحٌ واحد، كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد» (أف4: 3).  ويا له من ربح غير محدود تحصل عليه النفس عندما تدرك أنها عضو في جسد المسيح.  إن هذا يحمل معه بركة عجيبة، وامتيازات متناسبة مع هذه البركة.  وأنا لا أعرف شيئًا أكثر عجبًا من فكرة كوني عضو في جسد المسيح!

وإذ لاحظنا الطريقة التي بها يقدم الكتاب المقدس هذا الجسد، سنجد أنه يتحدث عنه في صورة ثلاثية.  فهناك الوجه المحلي عن جسد المسيح، ثم هناك الوجه الزمني عن جسد المسيح، وأخيرًا هناك الوجه الأبدي عن جسد المسيح.  وإذا تحولنا مرة أخرى إلى الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، والأصحاح الثاني عشر ستجد الصورة المحلية في العدد السابع والعشرين «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا».  إنه يتحدث عن كنيسة كورنثوس كمَن هي جسد المسيح.  هذه هي الصورة المحلية.  فكل الذين كانوا في المسيح في كورنثوس، كانوا متحدين معه، وكانوا مسئولين أن يسلكوا بحسب هذه العلاقة مع بعضهم البعض.  فكما أن أعضاء الجسد الإنساني المُستخدمة في التشبيه، تلبي إرادة ورغبة الرأس، هكذا يجب عليهم كأعضاء في جسد المسيح أن يفعلوا نفس الشيء.  إن رأسي يجب أن يحكم كل حركة لجسدي، وإذا لم يفعل هذا، فذلك دليل على وجود شيء خاطئ.  ونحن في بعض الأحيان نواجه مرضًا يؤدي إلى أن تعمل أعضاء الجسم البشري بالاستقلال عن الرأس.  وهذا يدل على أن هناك حاجة إلى قوة ضابطة.  كما أن ذلك ليس الحالة الصحيحة التي يجب أن يكون عليها الجسد.  إنني أحيانًا أفكر أن الكنيسة في أيامنا هذه جامدة ومُصابة بالصَرَع.  إنها تأخذ طريقها الخاص، وبسبب هذا فإن الأعضاء يفعلون ما يحلو لهم، بدلاً من خضوعهم للرب بواسطة الروح القدس.  إن تحكُّم الروح القدس في الكنيسة، هو الفكرة العظيمة في الأصحاح الذي فيه يَرِد التعبير «وأما أنتم فجسد المسيح، وأعضاؤه أفرادًا» والذي يعطي الصورة المحلية للجسد.

(يتبع)

و. ت. ب. ولستون