أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2009
7 صور للاجتماع إلى اسم الرب في سفر النشيد
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي.  أدخلني إلى بيت الخمر، وعلمه فوقي محبة» (نشيد 2: 3، 4)

في هذه الآيات نجد الصورة الثالثة للاجتماع إلى اسم الرب كما ترد في سفر النشيد.  وفي هذه الصورة نجد الأفكار الآتية عن الاجتماع إلى اسم الرب

  1. الاسم الوحيد الذي يجمعنا
  2. بركات الوجود في محضره
  3. أساس اجتماعنا إليه

الاسم الوحيد الذي يجمعنا

أن المسيح وحده هو موضوع جاذبيتنا، إذ إنه “كالتفاح بين شجر الوعر”، لا وجه لمقارنته بأي شخص سواه.

لاحظ أخي العزيز إن المحبوبة هنا تعقد المقارنة بين الحبيب والبنين، فالمسيح طبعًا لا يُقارن بأشرار الأرض بل بالبنين، أي «القديسين الذين في الأرض والأفاضل» (مز16: 3).  لكنه مختلف عنهم تمامًا، يسمو عليهم.  وفي الأناجيل نجد المسيح مميَّزًا ليس فقط عن جموع المعتمدين من يوحنا المعمدان، المعترفين بخطاياهم (مت3)، حيث إنه القدوس الخالي من الخطية؛ بل مميَّز حتى عن أعظم القديسين في السماء، عن موسى وإيليا، لأنه ابن الله الوحيد الحبيب (مت17). 

وعظماء البشر لا يزيدون عن كونهم شجر وعر، بلا ظل ولا ثمر!  لن نجد عندهم راحة ولا شبعًا.  وما أبعد الفارق بين شجرة التفاح التي لها الظل المريح، والثمر الشهي، بالمقابلة مع شجر الوعر عديم الظل والثمر، والجارح بأشواكه!  تحت شجر الوعر تعيا النفس من حرارة الشمس، وتموت من الجوع، ولكن يمكنك وأنت جالس مستريح في ظل شجرة التفاح، أن تقطف وتأكل منها «ثمرته حلوة لحلقي».  هكذا الوجود في محضر ذاك الذي دعانا إلى الاجتماع باسمه.
واسم المسيح مختلف عن أسماء غيره سواء من البشر أو من الملائكة، المُسمون في الكتاب المقدس “أبناء الله”.   فبالنسبة للبشر قال المرنم: «أنت أبرع جمالاً من بني البشر» (مز45: 2)، وبالنسبة للملائكة: «من يشبه الرب بين أبناء الله؟» (مز89: 6).  ولهذا فنحن نرفض أن ننتمي إلى أي اسم آخر، سواء قديس أو ملاك. بل إن اجتماعنا هو إلى اسمه القدوس وحده (مت18: 20).

بركات الوجود في محضر الرب

قال المرنم: «ما أكرم رحمتك يا الله! فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون» (مز36: 7). وماذا يجد بنو البشر في هذا الظل المريح؟  يقول المرنم: «يروون من دسم بيتك، ومن نهر نعمك تسقيهم» (ع8). لأنه: «أمامك شبع سرور في يمينك نعم إلى الأبد» (مز16: 11).

في عالم الخواء والخوار، في الأرض المعيية، ما أعظم الراحة عنده! وما أهنأ ظله! «يكون إنسان كمخبإ من الريح ستارة من السيل. سواقي ماء في مكان يابس، كظل صخرة عظيمة في أرض معيية» (إش32: 2).  وأيضًا: «يعود الساكنون في ظله، يحيون حنطة ويزهرون كجفنة» (هو14: 7).  وأيضًا «لأنك كنت حصنًا للمسكين، حصنًا للبائس في ضيقه. ملجأ من السيل، ظلاً من الحر» (إش25: 4).  هذا كله من حق القديس أن يختبره في وجوده في محضره. إننا لن نجد الظل المريح، في كل هذا العالم الفسيح، إلا ونحن في محضر المسيح.  وفي المستقبل سوف يعمل الرب “لجميع الشعوب .. وليمة سمائن، وليمة خمر على دردي، سمائن ممخة، دردي مُصفى” (إش25: 6).  هذا سيحدث في يوم المجد القادم، ولكننا الآن في يوم النعمة يلذ لنا أننا نجتمع ببساطة، اثنان أو ثلاثة، ونتمتع بكل كرم ذلك المضيف الكريم، وبينما العالم ما زال برية، وبينما أشجار الوعر من كل ناحية، والمتاعب حولنا من كل جانب، فإنه يريحنا وينعشنا ويشبعنا.

اشتهيت أن أجلس

لكن دعنا نسأل أنفسنا: هل نحن حقًا نشتهي الجلوس في محضره؟ هل وجودنا أمامه شيء محبب لنا، أم أن أمور العالم وما فيه من «شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة» (1يو2: 16) هي ما تحن إليها قلوبنا أكثر؟  أنشتهي خرنوب الخنازير (لو15: 16)، أم أننا نقول له بحق: «إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس. بنفسي اشتهيتك في الليل، أيضًا بروحي في داخلي إليك ابتكر» (إش26: 8، 9)؟

ولاحظ ترتيب كلام العروس هنا: “أجلس .. وثمرته”: وهكذا مريم أخت لعازر، أولاً “جلست عند قدميه”، من ثم “كانت تسمع كلامه” (لو10: 39).  وفي معجزة إشباع الآلاف، فإن الرب أولاً أجلسهم، ثم بعد ذلك أشبعهم.  والمعنى من ذلك إن محضر الرب بالنسبة لنا أهم من شبعنا نحن.  صحيح هو كريم ولا بُدَّ أن يشبع النفس المشتهية، ولكننا في المقام الأول نحب محضره.

أن استمع إلى عظة، أو حتى أشاهد تسجيلاً لاجتماع، لا يُعبِّر عن اختبار المحبوبة هنا. فالتمتع بالظل وبالثمر يستلزم القرب من شجرة التفاح، وليس التعامل معها من بُعد.

وثمرة شجرة التفاح هو ما ينتج منها.  وما أكثر ما تحصَّلنا عليه من المسيح، مثل التبرير والتقديس، الفداء والشفاعة، الإطعام والرعاية إلخ.  ما أحلى أن نستمتع ونحن تحت ظله، كما استمتعت العروس هنا، بتلك البركات التي صارت لنا فيه (أف1: 3).

وهكذا في هذه الآية نجد الأفكار الجميلة الآتية:

  • تحت ظله:     حِمى
  • اشتهيت:       أشواق
  • أن أجلس:      راحة
  • وثمرته:        شبع
  • حلوة لحلقي:   تمتع

في محضره لنا جلسة ممتعة، وشبعًا لذيذًا.  وحقًا إن المسيحية ليست فقط الطريق إلى السماء، بل هي التمتع بالسماء ونحن ما زلنا هنا على الأرض.  ومن أجمل لمحات السماء ونحن هنا في الغربة هو الاجتماع إلى اسمه.  وحقًا إن الاجتماع يشبه أيام السماء!


أساس اجتماعنا إليه

نلاحظ أن العروس بعد أن قالت: “اشتهيت أن أجلس”، أتبعت ذلك بالقول: «أدخلني إلى بيت الخمر».  فالرب هو بحق الذي يُشبع النفس المشتهية (مز107: 9).
سبق أن قالت: «أدخلني الملك إلى حجاله». هذه هي الشركة الفردية، وهي لا بد أن تسبق التمتع بالشركة الجماعية المذكورة هنا.  ففي بيت الخمر نتمتع بالشركة معه، ومع جميع الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد.

وعبارة “أدخلني” تدل على أنها في ذاتها ليست جديرة على الإطلاق بالدخول إلى هذا المكان، لكنه هو الذي أدخلها. وهي تذكرنا بقول الوحي عن الرب إنه “أخذ بطرس يعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال. وتغيرت هيئته قدامهم” (مت17: 1، 2).  وهي صورة أيضًا للاجتماع إلى اسم الرب. حيث يُرى الرب بمجده، وحيث تتصاعد كلمات القديس: “جيد يا رب أن نكون ههنا”، وحيث تُرفع العيون فلا نرى إلا يسوع وحده.

نعم من فينا يستحق التواجد في محضر الرب؟  دعنا لا ننسى أننا في الاجتماع إلى اسمه نوجد في محضر ذاك الخالق المهيب الذي مجده ملء كل الأرض، بل إننا نجلس في محضر ذاك الذي السرافيم تقف في محضره، ونعاين مجده بوجه مكشوف ذاك الذي تغطي السرافيم وجوهها أمامه، ونتكلم إلى ذاك الذي لا تقدر الملائكة إلا أن تتلقى تعليماته وأمراه!

وبيت الخمر هو المكان الذي يتم فيه شرب الخمر.  والخمر صورة في الكتاب إلى الفرح وإلى الروح القدس.  أو بالحري أفراح الروح القدس. إنها ليست أفراحًا جسدية نتيجة الطرب العالمي، بل أفراحًا عميقة لا يقدر أن ينشئ نظيرها إلا الروح اللقدس,  لقد أدخلها إلى حيث يمكنها التمتع بأفراح الروح القدس المباركة والعجيبة، حيث الفرح الذي لا ينطق به ومجيد.

وفي بيت الأفراح وجدت العروس أن الراية المرفوعة هي “المحبة”.  والراية المرفوعة تدل على إحراز النصر. والنصرة التي تمت هي نصرة الصليب، فعلى أساس محبة الصليب يمكننا نحن أن نجتمع إلى اسمه.  ما الذي أوجدنا نحن الذين بالطبيعة خطاة في محضره القدوس؟ ولماذا لا نهرب نحن من محضر الله كما فعل أبونا آدم؟ هل نحن أفضل؟ كلا البتة. ولكنها المحبة التي غلبت عداوتنا وشرنا، وهو عين ما عبَّر عنه المسيح عندما قال: «أنا إن ارتفعت عن الأرض (بالصليب) أجذب إليَّ الجميع» (يو12: 32).  هذا هو أساس اجتماعنا إليه.

يوسف رياض