كم يكون هذا باعثًا للتعزية عندما يذكِّر المؤمن المجرَّب نفسَه، وهو في عمق التجربة أو البلوى المحرقة أو المرض المُذل، أن الرب هو الذي سمح له بهذا، وبذاته يشرف على آلامه، إذ يُدربه من خلالها ليتمم قصده من ورائها؛ وأن هناك معونات للمؤمن حتى يستطيع أن يحتمل «لكن الله أمين الذي .. سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا» (1كو10: 13). لكن الشيء الأكثر تعزية هو أن المؤمن المجرَّب لن يبقي في بوتقة الآلام حتى المنتهى، بل هناك وقت فيه ستمتد يد القدير لتُخرجه من التجربة مهما كان عمقها، وسيتم هذا فقط عندما يتم قصد الرب من وراء التجربة. وحسنًا عبّر المرنم عن هذا بقوله: لست أذكر تجربة لم تنته لا أذكر لا أذكر فالضيقة إذًا محدودة، فهي لها بداية ويقينًا أن لها نهاية. ونستطيع أن نتعلم هذا مما قاله الروح لملاك كنيسة سميرنا: «ويكون لكم ضيق عشرة أيام» (رؤ2: 10). وإننا لو أدركنا القليل عن مشاعر الرب تجاه المؤمن المتألم، ستزول من داخلنا كل مرارة واعتراض على معاملات الرب، فالرب لا يُذل المؤمن من قلبه (مرا 3: 31)، بل تضيق نفسه لسبب مشقة المؤمن (قض10: 16)، لكنه - إن جاز هذا التعبير - يضطر أن يتعامل معنا بلغة الآلام لبركتنا ولخيرنا، ولإتمام قصده في حياتنا. ويوسف واحد من الشخصيات التي تدربت بالآلام في مدرسة الله، وكانت المرحلة الأخيرة في السجن هي من أصعب المراحل، حيث هناك نسي الأحلام التي سبق وأعلنها له الرب، ونسي الأمجاد حيث كانت مرارة السجن الذي دخل فيه ظلمًا، شديدة جدًا على نفسه «في الحديد دخلت نفسه» (مز105: 18)، والذي زاد من نيران التجربة أنه لم يكن هناك أمل واضح للخروج من ذلك المكان، حيث نجده في ضعف طلب من رئيس السقاة أن يذكره أمام فرعون، وقدم له حيثيات الخروج؛ لكن هذا الأخير نسيه عندما خرج. فكان يوسف يحتاج أن يتعلم أن الله له توقيت، وساعته ليس فيها تأخير، كما ظنتا مرثا ومريم عندما قالتا للرب: «لو كنت ههنا لم يمت أخي». وساعته أيضًا ليس فيها تقديم، مثلما قال الشيطان للرب: «أ جئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟» (مت8: 29). فساعة الله دقيقة جدًا. وعندما كمل القصد من الآلام، حرك الرب قلب الملك الذي هو في يده كجداول مياه، حيثما شاء يميله (أم21: 1) ”فأسرعوا به من السجن“. ذكر الرب في مثل الأرملة وقاضي الظلم أن هذه الأرملة مع أنها طلبت كثيرًا الإنصاف من خصمها، لكنها أخيرًا أُنصفت. وعلق الرب على هذا المثل بالقول: «أ فلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً، وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا» (لو18: 8). قد نظن أنه تأخر، لكن لو بقينا في التجربة يومًا أو أيامًا أو حتى شهورًا أو سنوات، فإنه حينما يكمل قصد القدير من وراء التجربة لن نبقى فيها دقيقة أخرى، بل حتمًا سنخرج منها سريعًا.
|