«أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (يو10: 9)
تخيَّل مجموعة من الناس، في قرية على هضبة في شمال انجلترا، منهم فلاحون ورعاة وفعلة، مظهرهم خشن، لكن معظمهم من ذوي القلوب الدافئة، ووجوههم تشع بنور بهيج، لأن الأكثرية منهم سعداء بالإيمان بالرب يسوع المسيح. هؤلاء هم مستمعيَّ الأوائل، في الضاحية التى تدور فيها أحداث قصتي البسيطة.
من ضمن الحضور كان هناك اثنان؛ رجل وامرأته، لم أستطع أن أكف عن ملاحظتهما حيث كانت نظراتهما في مباينة تامة مع باقي الحضور.
لم يسبق لي رؤية شخص في قفص الاتهام، مُتهم بجريمة بشعة، مُنتظرًا نطق القاضي بالحكم. لكني أعتقد أنه لا بد أن يكون منظره، كمنظر هذين الزوجين في تلك الليلة – تعيسين يشعران بالذنب – مذهولين وقلقين.
ورنَّت من شفتي كلمات البشارة السارة، عن حمل الله الذي جاء ليرفع الخطية، لكن دون أي فرحة تجاوب على هذين الوجهين القنطين، بل بالعكس تعمقت الكآبة مع مواصلة الاجتماع.
كانت المسافة من الاجتماع إلى بيتهم حوالي ثلاثة أميال، ولبعض الوقت لم ينطق أي منهما ببنت شفة، وأخيرًا كسرت الزوجة، التي كانت أكثر قلقًا، حاجز الصمت قائلة: “ألم تشعر يا جيم بالخجل من نفسك في الاجتماع؟ فكل كلمة قالها المبشر كانت موجهة لنا، وأنا أثق أننا كنا الخطاة الوحيدين في المكان”.
لم تستطع الزوجة النوم في تلك الليلة بسبب خطاياها، ولخوفها من نار جهنم التي كانت تعلم أنها تستحقها، فكان النوم مستحيلاً، وكان شغلها الشاغل هو كيف تخلص.
واتضح أنها كانت مشغولة بهذه الأمور منذ ثلاثة أشهر، وقد بدأ انشغالها بهذه الطريقة: لقد دعتها إحدى جاراتها المؤمنات، إلى خدمة للإنجيل في الهواء الطلق في مكان قريب منها، لكنها أجابتها بأنها ليست بحاجة لمثل هذه الاجتماعات، حيث إنها سيدة محترمة، تذهب إلى الكنيسة كلما سنحت لها الفرصة. وماذا عليها أن تفعل أكثر من ذلك؟
“آه، حسن، لكن لا تنسي أنه عليك أن تولدي ثانية!" هكذا أجابتها جارتها. فقالت "أُولد ثانية! ماذا تقصدين بذلك؟” فحدثتها جارتها عن الله وعن قداسته، وعن نفسها وعن خطاياها، وطلبت منها أن تذهب إلى ذلك الاجتماع، فذهبت.
اجتمع بعض أهالي القرية في مفترق الطرق حيث وقف المبشر على سور منخفض ودون مقدمات قدم رسالته وهي «يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ» (يو3: 7)، فقالت، مشدوهة من كلمات المبشر التي جذبت انتباهها: “هذا ما قالته لي السيدة... ماذا يعني هذا؟” وإذ كانت تستمع إلى كلمات المبشر أدركت أنه يتحدث عن أمر غريب عليها بل أمر ضرورى جدًا، لبركة نفسها. من هذا الوقت إلى المساء الذي تحدثتُ فيه كانت تتحسس البركة، وخلاص نفسها وسط الظلام.
كانت ليلة الثلاثاء هو اليوم الذي سمعت فيه البشارة في قاعة القرية الصغيرة. وفي مساء الجمعة من نفس الأسبوع، كان لا بد أن أمر ببيتها الصغير، في طريقي إلى اجتماع آخر في مطبخ مزرعة على مقربة منها. وإذ سمعتُ بانزعاجها الشديد، طلبتُ أن أراها، وقرأنا معًا بعض القراءات الكتابية، وركعنا قدام الله مُصلين، لكن بقي الظلام. لم يكن بإمكاني مساعدتها، وبتمنياتي لها أن عظة المساء ستوضح لها الأمور، نهضت وفتحت بابًا لأنصرف، لكني وجدت أن الباب الذي فتحته يؤدي إلى حجرة الخزانة بدلاً من الحديقة. لم يكن هو الطريق إلى الخارج، فقالت لي، وهي تفتح لي الباب الصحيح: “هذا باب خطأ”. فقلت لها:
“الباب الخطأ! هل تعلمين أن هناك الكثيرين ممن يتوقون إلى الهروب من التعاسة إلى السلام، ومن الخطر إلى الخلاص، لكنهم يطرقون أبوابًا خطأ، فهم يتلمسونه بالأعمال والصلوات وغيرها؟ لكن الرب يسوع قال «أَنَا هُوَ الْبَاب» (يو10: 9)”.
“لم أفكر في الأمر هكذا من قبل” قالت هذا وهي تسقط في مقعد، وتنهمر من عينيها دموع الراحة، وتنهدت قائلة: “إني مسرورة لأن المسألة قد انتهت”.
نعم أشكر الله أنها قد انتهت؛ التعاسة والقلق وثقل الضمير كلها أمور قد عبرت، إذ وجدت الباب الذي يؤدي إلى الطريق إلى البركة وهذا الباب؛ هو ربنا ومخلصنا يسوع.
فجاء كلاهما، الزوج وزوجته معًا في تلك الأمسية لحضور الاجتماع، وآمن الزوج بالكلمة وهو يستمع إليها، آمن بأن الرب يسوع قد جاء إلى هذا العالم ليخلص الخطاة، ولكي يتمم هذا صار «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إش53: 5). لقد آمن بأن المسيح مات من أجل الفُجَّار، وبالتالي من أجله هو، وبأنه قام أيضًا من الأموات، فاعترف به كربِّه ومخلصه.
قلت للسيدة: “لقد نال زوجك البركة” فردت قائلة “علمت أنه سينالها. ويا لروعة شهر نوفمبر بالنسبة لنا، فقد تقابلنا أولاً في نوفمبر، وتزوجنا في نوفمبر، وخلص كلانا في نوفمبر”.
لقد أصبحا زوجين سعيدين من تلك الليلة، والبركة التي حصلا عليها في هذه الجمعة من شهر نوفمبر، لا يمكن أن يفقداها إذ إن خلاص الله أبدي، والحياة التي يمنحها باقية «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رو6: 23). لكن كيف تفسر هذا؟ هكذا يتساءل غير المؤمن. نحن لا نفسرها لأن «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لَكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ» (يو3: 8). إننا نقرر الحقائق، ونمر بالكلمات البسيطة التي تأتي بالنور إلى النفس وهي بعد في الظلام والإكتئاب. إنها كلمة الخلاص، والخلاص «لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أف2: 9)، بل بسماع بشارة الإنجيل الخاصة بابن الله، وقبولها بالإيمان. إنه هو من قال «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (يو10: 9).