أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2009
الرصاص المصبوب والحرب الأخيرة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

معظم من يتابعون الأحداث العالمية من حولنا، لا يدركون أن العالم يجهِّز نفسه لحقبة فريدة من تاريخه، فيها إتمام حرفي لنبوات الكتاب المقدَّس. ولقد أشار الرب يسوع صراحة أنه هناك جيل بعينه سيشهد كل هذه النبوات تتحقَّق من حوله ونُصب عينيه: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ» (مت24: 34). ومن الواضح أنَّنا نحن هذا الجيل الذي بدأت الأحداث تتبلور وتتمركز من حولنا لتُنبئنا بقرب النهاية. إن المسيح أعلن بوضوح عن قرب مجيئه بالارتباط بهذه العلامات حينما قال: «وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ» (لو21: 28).

إننا حينما نقرأ في الكتاب المقدس عن هذا التحالف المسمَّى في سفر دانيآل “ملك الشمال” - وهو الاسم الذي سنستخدمه في هذا المقال – والذي نعرف من كلمة الله أنه سيغزو “الأرض البهية”، أي فلسطين، من جهة الشمال. نجد، ولأول وهلة، أنه لا يوجد ما يجمع هذه الدول معًا، فهم يختلفون في الأعراق وفي الجنسيات وفي اللغات، إلا أنهم جميعًا يتَّفقون في شيءٍ واحد، وهو إنهم يحملون كمًا من البغضة والكراهية لليهود الذين هم من ألد أعدائهم، وقد جاء الوقت ليتحالفوا معًا للقضاء على هذا الجسم الغريب الذي زُرع خلسة، بل وعنوة بينهم منذ عام 1948م، ففلسطين بحسب الاعتقاد السائد ليست أرض اليهود، بل هي أرض مغتَصَبة، وعلي اليهود أن يعودوا من حيث أتوا؛ من الشتات الذي كانوا فيه قبلاً.

ونظرًا لأن هذا الموضوع يستحوذ على فصول كثيرة في كلمة الله، فكل الأسفار النبوية التي كُتبت في فترة ما قبل السبي، أشارات إليه تصريحًا، والكثير مِمَّا كُتب أثناء السبي وبعده أشار إليه تلميحًا، فسنحاول تركيز حديثنا في نقاط أربع:

  • المترادفات الكتابية لهذه الحرب
  • أسباب الحرب القادمة
  • الوصف المرعب للجيوش المحاربة
  • النتائج الوخيمة لهذه الحرب

أولاً: المترادفات الكتابية لهذه الحرب
قد يبدو للبعض منا أن النبوات التي تتحدث عن هذه الحرب قد تم تحقيقها في الماضي؛ لكن القارئ المدقِّق، يرى أن هناك عبارات كثيرة لم تتم بعد، ذخرها الروح القدس للغزو الأخير، وهذا هو طابع النبوة العام، فللنبوة تتميم جزئي في الزمان القريب، وتتميم كلي في المستقبل البعيد.

  •  ملك الشمال (دانيآل 11)
    ينقسم دانيآل 11 إلى قسمين: القسم الأول (ع1-35): يتكلَّم عن ملك الشمال في الماضي. القسم الثاني (ع36-39): يتكلم عن ملك الشمال في المستقبل. وهذا معناه أن اتجاه الغزو سيكون من شمال إسرائيل.
  •  الأشوري (إشعياء 10: 5؛ 7: 17، 18)
    سيستخدم الرب الغزو القادم على إسرائيل لإعلان غضبه وسخطه ونقمته عليها باعتبارها أمة عاصية، فالأشوري “قضيب غضب” والعصا في يدهم أي “عصا التأديب” هي إعلان عن سخط الله.
  •  السوط الجارف (إشعياء 28: 14-20)
    والإشارة هنا إلى قوة التدمير التي سيحدثها الغزو؛ فإسرائيل ستكون له للدوس! فعلى الرغم من أنهم سيعقدون “عهدًا مع الموت و... الهاوية” وهو العهد المشار إليه في دانيآل 9: 27 - وهذا أيضًا ما يحاولون فعله جزئيًا الآن بأن يستميلوا الدول الأوربية والعالمية لصفوفهم عن طريق الدعاية والإعلان - إلاَّ أن هذا العهد لن يساعدهم في شيء، ولن يُجديهم نفعًا متى انقضَّ عليهم ملك الشمال بربوات جيوشه فسيطرحهم كطين الأزقة ويكونون له للدوس.

ثانيًا: أسباب الحرب القادمة
هناك أحداث عديدة تدور من حولنا تؤكِّد أن الحرب القادمة حتمية ومؤكَّدة لا فرار منها ولا مناص، فإذا استرجعنا الحروب التي حدثت في الماضي، سنجد أن معظمها قد اشتعلت لأسباب أقل بكثير من ذلك، وإليك بعض هذه الأسباب:

السبب الأول: هو القمع والتنكيل الإسرائيلي المستمر بالفلسطينيين، الذي تجاوز كل المقاييس وتخطَّى كل الحدود، والذي كما نرى فيما بعد سيرتد عليهم، بل وبصورة أعنف؛ لأن الحصاد دائمًا يكون أكثر من الزرع. وفلسطين في النهاية دولة عربية، والوضع العربي يُحتم أن تتضافر كل شعوب المنطقة  للجهاد المقدَّس.

السبب الثاني: المحاولات المستمرة من إسرائيل لهدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكل سليمان  مكانه، بزعم أن الحفريات من تحته أثبتت أن المسجد مُقام على أنقاض هيكل سليمان، والذي لم يتبقَّ منه سوى “حائط المبكى”، وهو لا يمثل جزءًا من الهيكل بل من السور الخارجي له.

السبب الثالث: محاولة إيران امتلاك سلاح نووي، وهذا يُرعب إسرائيل، ومن ثم قد تحاول إسرائيل إجهاض هذه المحاولة، بضربة جوية أو خلافه، مِمَّا يشعل شرارة الحرب.

السبب الرابع: القناعة المترسِّخة في كل العالم العربي بحتمية عودة الأرض المغتصبة والثروات التي فيها إلى أيدي الفلسطينيين، ولقد ركَّز الكتاب كثيرًا على ما سيحدث من عمليات سلب ونهب في هذه الحرب الأخيرة (إش10: 6؛ زك14: 2). وجدير بالملاحظة أن اسم ابن إشعياء “مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ” (إش8: 3) يحمل طابعًا نبويًا - وهو أطول اسم في الكتاب المقدس - وهو يعني “يُسرع للنهب والسلب”، وهذه إشارة إلى أشوري المستقبل.

ثالثًا: وصف الجيوش المصطفة للحرب
وهو وصف يثير الهلع ويرجف الأبدان، فالذين قتلوا الأنبياء والرسل، بل وقتلوا المسيح نفسه، قد فاض مكيال إثمهم، كما قال الرب عنهم: «أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ .. لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ» (مت23: 33-35).
وسأكتفي بوصف المشاهد التي تُنبئنا بقوة هذا الجيش الشمالي المتحالف ورعبه وكثرة عدده:

ففي سفر إشعياء قيل عن هذا الجيش: «فَيَرْفَعُ (أي الله) رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ (أي من الشمال) وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِمُِ. الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا» (إش5: 26-30).

وفي سفر يوئيل يقول الوحي: «لِيَرْتَعِدْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ؛ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ لأَنَّهُ قَرِيبٌ. يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ. يَوْمُ غَيْمٍ وَضَبَابٍ مِثْلَ الْفَجْرِ مُمْتَدًّا عَلَى الْجِبَالِ. شَعْبٌ كَثِيرٌ وَقَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ نَظِيرُهُ مُنْذُ الأَزَلِ وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا بَعْدَهُ إِلَى سِنِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. الأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدْنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ. كَمَنْظَرِ الْخَيْلِ مَنْظَرُهُ وَمِثْلَ الأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. كَصَرِيفِ الْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ يَثِبُونَ. كَزَفِيرِ لَهِيبِ نَارٍ تَأْكُلُ قَشًّا. كَقَوْمٍ أَقْوِيَاءَ مُصْطَفِّينَ لِلْقِتَالِ. مِنْهُ تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ. كُلُّ الْوُجُوهِ تَجْمَعُ حُمْرَةً. يَجْرُونَ كَأَبْطَالٍ. يَصْعَدُونَ السُّورَ كَرِجَالِ الْحَرْبِ وَيَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرِيقِهِ وَلاَ يُغَيِّرُونَ سُبُلَهُمْ. وَلاَ يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. يَمْشُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي سَبِيلِهِ وَبَيْنَ الأَسْلِحَةِ يَقَعُونَ وَلاَ يَنْكَسِرُونَ. يَتَرَاكَضُونَ فِي الْمَدِينَةِ. يَجْرُونَ عَلَى السُّورِ. يَصْعَدُونَ إِلَى الْبُيُوتِ. يَدْخُلُونَ مِنَ الْكُوى كَاللِّصِّ. قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَالنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا. وَالرَّبُّ يُعْطِي صَوْتَهُ أَمَامَ جَيْشِهِ. إِنَّ عَسْكَرَهُ كَثِيرٌ جِدًّا. فَإِنَّ صَانِعَ قَوْلِهِ قَوِيٌّ؛ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدًّا فَمَنْ يُطِيقُهُ؟» (يوئيل 2: 1-11).

والآن ماذا نقول؟  وأيّة كلمات تكفي لشكر سيدنا الذي زودنا بهذه الكلمة النبوية، والتي هي سراج منير في موضع مظلم.  فبينما العالم يتخبَّط في الجهل والظلام، لا يعرف مصيره أو مستقبله، نمسك نحن بين أيدينا الكلمة النبوية التي تُعلمنا بكل وضوح كيف ستكون النهاية من البداية. وكل ما علينا أن نفعله هو ما فعله حبقوق قديمًا، فنقف على مرصد النبوة لنتأمَّل وننتظر، ونحن على يقين من أن النبوة هي إلى الميعاد «فيركض قارئها» ، وهكذا علينا أن نركض في اتجاه القداسة وخوف الله، لأننا نعلم بكل يقين أن الوقت منذ الأن مقصَّر، وعمَّا قريب سيُرفع الستار ويأتي مشهد النهاية، ولكن قبل ذلك بكثير سنكون قد دخلنا نحن الى السماء التي هي موطننا الأصلي، وتبقى الأرض لمشاهد الدمار والغضب عند قيام سيدنا ليرعب كل الأرض (إش2: 19، 22)، وينتصب للمخاصمة ويقوم لدينونة الشعوب (إش 4: 13).

مسعد رزيق